تكراراً مثل قولنا: حيوان إنسان، بل كان بياناً لنوع الفعل كقولنا "فعل" بآلة. ولو كان قولنا "فعل" يتضمن الإرادة وكانت الإرادة ذاتية للفعل من حيث أنه فعل لكان قولنا "فعل" بالطبع متناقضاً كقولنا فعل وما فعل.
[قولنا الجماد لا فعل له ...]
قلنا: هذه التسمية فاسدة ولا يجوز أن يسمى كل سبب بأي وجه كان فاعلاً ولا كل مسبب مفعولاً. ولو كان كذلك لما صح أن يقال الجماد لا فعل له وإنما الفعل للحيوان، وهذه من الكلمات المشهورة الصادقة.
[إلا بالاستعادة]
فإن سمى الجماد فاعلاً فبالاستعارة كما قد يسمى طالباً مريداً على سبيل المجاز، إذ يقال الحجر يهوى لأنه يريد المركز ويطلبه، والطلب والإرادة حقيقية لا يتصور إلا مع العلم بالمراد المطلوب، ولا يتصور إلا من الحيوان.
[فالفعل يتضمن الإرادة]
وأما قولكم: إن قولنا "فعل" عام وينقسم إلى ما هو بالطبع وإلى ما هو بالإرادة، غير مسلم وهو كقول القائل: قولنا "أراد" عام وينقسم إلى من يريد مع العلم بالمراد وإلى من يريد ولا يعلم ما يريد، وهو فاسد، إذ الإرادة تتضمن العلم بالضرورة، فكذلك الفعل يتضمن الإرادة بالضرورة.
["الفعل بالطبع" استعارة]
وأما قولكم: إن قولنا "فعل" بالطبع ليس بنقض للأول، فليس كذلك فإنه نقض له من حيث الحقيقة، ولكن لا يسبق إلى الفهم التناقض ولا يشتد نفور الطبع عنه لأنه يبقى مجازاً، فإنه لما أن كان سبباً بوجه ما والفاعل أيضاً سبب سمي فعلاً مجازاً.
[الفعل بالاختيار حقيقة هو فعل حقيقي]
وإذا قال "فعل" بالاختيار فهو تكرير على التحقيق كقوله "أراد" وهو عالم بما أراده. إلا أنه لما تصور أن يقال "فعل" وهو مجاز ويقال "فعل" وهو حقيقة لم تنفر النفس عن قوله "فعل" بالاختيار وكان معناه فعل فعلاً حقيقياً لا مجازياً كقول القائل: تكلم بلسانه ونظر بعينه فإنه لما جاز أن يستعمل النظر في القلب مجازاً والكلام في تحريك الرأس واليد حتى يقال قال برأسه أي نعم، لم يستقبح أن يقال: قال بلسانه