وهذا العذر باطل من ثلاثة أوجه: أحدها أن هذا مكابرة العقل، فإن العقل في تقدير العالم أكبر أو أصغر مما عليه بذراع ليس هو كتقديره الجمع بين السواد والبياض والوجود والعدم، والممتنع هو الجمع بين النفي والإثبات، وإليه ترجع المحالات كلها فهو تحكم بارد فاسد.
وجود العالم يكون واجباً!
الثاني أنه إذا كان العالم على ما هو عليه لا يمكن أن يكون أكبر منه ولا أصغر. فوجوده على ما هو عليه واجب لا ممكن، والواجب مستغن عن علة. فقولوا بما قاله الدهريون من نفي الصانع ونفي سبب هو مسبب الأسباب، وليس هذا مذهبكم.
[ووجوده قبل الوجود غير ممكن!]
الثالث هو أن هذا الفاسد لا يعجز الخصم عن مقابلته بمثله. فنقول: إنه لم يكن وجود العالم قبل وجوده ممكناً بل وافق الوجود الإمكان من غير زيادة ولا نقصان. فإن قلتم: فقد انتقل القديم من القدرة إلى العجز، قلنا: لا، لأن الوجود لم يكن ممكناً فلم يكن مقدوراً، وامتناع حصول ما ليس بممكن لا يدل على العجز. وإن قلتم: إنه كيف كان ممتنعاً فصار ممكناً؟ قلنا: ولم يستحيل أن يكون ممتنعاً في حال، ممكناً في حال؟ فإن قلتم: الأحوال متساوية، قيل لكم: والمقادير متساوية، فكيف يكون مقدار ممكناً وأكبر منه أو أصغر بمقدار ظفر ممتنعاً؟ فإن لم يستحل ذلك لم يستحل هذا. فهذا طريقة المقاومة.
[إن الله إذا أراد فعل]
والتحقيق في الجواب أن ما ذكروه من تقدر الإمكانات لا معنى لها، وإنما المسلم أن الله قديم قادر لا يمتنع عليه الفعل أبداً لو أراد، وليس في هذا القدر ما يوجب إثبات زمان ممتد إلا أن يضيف الوهم بتلبيسه إليه شيئاً آخر.