وإذا ذكر له الدليل تنبه للمدلول من نفسه وبالجملة إذا خطر له الحد الأوسط تنبه للنتيجة وإذا حضر في ذهنه حدا النتيجة خطر بباله الحد الأوسط الجامع بين طرفي النتيجة. والناس في هذا منقسمون فمنهم من يتنبه بنفسه ومنهم من يتنبه بأدنى تنبيه ومنهم من لا يدرك مع التنبيه إلا بتعب كثير. وإذا جاز أن ينتهي طرف النقصان إلى من لا حدس له أصلاً حتى لا يتهيأ لفهم المعقولات مع التنبيه جاز أن ينتهي طرف القوة والزيادة إلى أن ينتبه لكل المعقولات أو لأكثرها وفي أسرع الأوقات وأقربها.
[ولا سيما النبي]
ويختلف ذلك بالكمية في جميع المطالب أو بعضها وفي الكيفية حتى يتفاوت في السرعة والقرب. فرب نفس مقدسة صافية يستمر حدسها في جميع المعقولات وفي أسرع الأوقات. فهو النبي الذي له معجزة من القوة النظرية فلا يحتاج في المعقولات إلى تعلم بل كأنه يتعلم من نفسه، وهو الذي وصف بأنه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور.
[وفي القوة النفسية العملية وهي تنفعل بها أعضاء البدن]
الثالث القوة النفسية العملية، وقد تنتهي إلى حد تتأثر بها الطبيعيات وتتسخر. ومثاله أن النفس منا إذا توهم شيئاً خدمته الأعضاء والقوى التي فيها فحركت إلى الجهة المتخيلة المطلوبة، حتى إذا توهم شيئاً طيب المذاق تحلبت أشداقه وانتهضت القوة الملعبة فياضة باللعاب من معادنها، وإذا تصور الوقاع انتهضت القوة فنشرت الآلة، بل إذا مشى على جذع ممدود على فضاء طرفاه على حائطين اشتد توهمه للسقوط فانفعل الجسم بتوهمه وسقط، ولو كان ذلك على الأرض لمشى عليه ولم يسقط، وذلك لأن الأجسام والقوى الجسمانية خلقت خادمة مسخرة للنفوس، ويختلف ذلك باختلاف صفاء النفوس وقوتها.
[وقد يكون الانفعال حتى في غير البدن]
فلا يبعد أن تبلغ قوة النفس إلى حد تخدمه القوة الطبيعية في غير بدنه لأن نفسه ليست منطبعة في بدنه إلا أن له نوع ونزوع وشوق إلى تدبيره خلق ذلك في جبلته فإذا جاز