وإذا قيل: خالق وفاعل وبارئ وسائر صفات الفعل، فمعناه أن وجوده وجود شريف يفيض عنه وجود الكل فيضاناً لازماً، وإن وجود غيره حاصل منه وتابع لوجوده كما يتبع النور الشمس والإسخان النار. ولا تشبه نسبة العالم إليه نسبة النور إلى الشمس إلا في كونه معلولاً فقط، وإلا فليس هو كذلك فإن الشمس لا تشعر بفيضان النور عنها ولا النار بفيضان الإسخان فهو طبع محض، بل الأول عالم بذاته وأن ذاته مبدأ لوجود غيره، ففيضان ما يفيض عنه معلوم له فليس به غفلة عما يصدر منه. ولا هو أيضاً كالواحد منا إذا وقف بين مريض وبين الشمس فاندفع حر الشمس عن المريض بسببه لا باختياره ولكنه عالم به وهو غير كاره أيضاً له، فإن المظل الفاعل للظل شخصه وجسمه والعالم الراضي بوقوع الظل نفسه لا جسمه، وفي حق الأول ليس كذلك فإن الفاعل منه هو العالم وهو الراضي أي أنه غير كاره وأنه عالم بأن كماله في أن يفيض منه غيره.
[فيكون علمه علة فيضان كل شيء]
بل لو أمكن أن يفرض كون الجسم المظل بعينه هو العالم بعينه بوقوع الظل وهو الراضي، لم يكن أيضاً مساوياً للأول فإن الأول هو العالم وهو الفاعل وعلمه هو مبدأ فعله، فإن علمه بنفسه في كونه مبدأ للكل علة فيضان الكل، فإن النظام الموجود تبع للنظام المعقول بمعنى أنه واقع به، فكونه فاعلاً غير زائد على كونه عالماً بالكل إذ علمه بالكل علة فيضان الكل عنه، وكونه عالماً بالكل لا يزيد على علمه بذاته فإنه لا يعلم ذاته ما لم يعلم أنه مبدأ للكل، فيكون المعلوم بالقصد الأول ذاته ويكون الكل معلوماً عنده بالقصد الثاني، فهذا معنى كونه فاعلاً.
...
[والقادر ...]
وإذا قيل: قادر، لم نعن به إلا كونه فاعلاً على الوجه الذي قررناه وهو أن وجوده وجود يفيض عنه المقدورات التي بفيضانها ينتظم الترتيب في الكل على أبلغ وجوه الإمكان في الكمال والحسن.