الأول محتاجاً إلى هذه الصفات فلا يكون غنياً مطلقاً إذ الغني المطلق من لا يحتاج إلى غير ذاته.
[قولنا بها يتم له الكمال!]
وهذا كلام وعظي في غاية الركاكة، فإن صفات الكمال لا تباين ذات الكامل حتى يقال: إنه محتاج إلى غيره. فإذا لم يزل ولا يزال كاملاً بالعلم والقدرة والحياة فكيف يكون محتاجاً؟ أو كيف يجوز أن يعبر عن ملازمة الكمال بالحاجة وهو كقول القائل: الكامل من لا يحتاج إلى كمال؟ فالمحتاج إلى وجود صفات الكمال لذاته ناقص فيقال: لا معنى لكونه كاملاً إلا وجود الكمال لذاته. فكذلك لا معنى لكونه غنياً إلا وجود الصفات المنافية للحاجات لذاته. فكيف تنكر صفات الكمال التي بها تتم الإلهية بمثل هذه التخييلات اللفظية؟
قولهم فيحتاج إلى مركب فليس هو جسماً
فإن قيل: إذا أثبتم ذاتاً وصفة وحلولاً للصفة بالذات فهو تركيب، وكل تركيب يحتاج إلى مركب، ولذلك لم يجز أن يكون الأول جسماً لأنه مركب.
[قولنا كله قديم الجسم حادث]
قلنا: قول القائل: كل تركيب يحتاج إلى مركب، كقوله: كل موجود يحتاج إلى موجد، فيقال له: الأول موجود قديم لا علة له ولا موجد. فكذلك يقال: هو موصوف قديم ولا علة لذاته ولا لصفته ولا لقيام صفته بذاته بل الكل قديم بلا علة. وأما الجسم فإنما لم يجز أن يكون هو الأول لأنه حادث من حيث أنه لا يخلوا عن الحوادث، ومن لم يثبت له حدوث الجسم يلزمه أن يجوز أن تكون العلة الأولى جسماً كما سنلزمه عليكم من بعد.
فالأدلة باطلة وكل مسالكهم في هذه المسألة تخييلات.
لا يقدرون رد الجميع إلى نفس الذات
ثم إنهم لا يقدرون على رد جميع ما يثبتونه إلى نفس الذات. فإنهم أثبتوا كونه عالماً ويلزمهم أن يكون ذلك زائداً على مجرد الوجود فيقال لهم: أتسلمون أن الأول يعلم غير ذاته؟ ومنهم من يسلم ذلك ومنهم من قال: لا يعلم إلا ذاته.