للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القطعية وتشكيككم في دعاويكم.

أنتم تعترضون على المؤمنين بالرسول ... وإذا ظهر عجزكم ففي الناس من يذهب إلى أن حقائق الأمور الإلهية لا تنال بنظر العقل، بل ليس في قوة البشر الإطلاع عليه. ولذلك قال صاحب الشرع: تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذات الله. فما إنكاركم على هذه الفرقة المعتقدة صدق الرسول بدليل المعجزة المقتصرة من قضية العقل على إثبات ذات المرسل المحترزة عن النظر في الصفات بنظر العقل المتبعة صاحب الشرع فيما أتى به من صفات الله المقتفية أثره في إطلاق العالم والمريد والقادر والحي المنتهية عن إطلاق ما لم يؤذن فيه المعترفة بالعجز عن درك العقل.

... ونحن نعترض عليكم! وإنما إنكاركم عليهم بنسبتهم إلى الجهل بمسالك البراهين ووجه ترتيب المقدمات على أشكال المقاييس ودعواكم أنا قد عرفنا ذلك بمسالك عقلية. وقد بان عجزكم وتهافت مسالككم وافتضاحكم في دعوى معرفتكم وهو المقصود من هذا البيان. فأين من يدعي أن براهين الإلهيات قاطعة كبراهين الهندسيات؟

[قولهم الأول لم يعلم إلا نفسه]

فإن قيل: هذا الإشكال إنما لزم على ابن سينا حيث زعم أن الأول يعلم غيره. فأما المحققون من الفلاسفة قد اتفقوا على أنه لا يعلم إلا نفسه، فيندفع هذا الإشكال.

[قولنا كل واحد من العقلاء يعلم أشياء كثيرة!]

فنقول: ناهيكم خزياً بهذا المذهب، ولولا أنه في غاية الركاكة لما استنكف المتأخرون عن نصرته. ونحن ننبه على وجه الخزي فيه، فإن فيه تفضيل معلولاته عليه، إذ الملك والإنسان وكل واحد من العقلاء يعرف نفسه ومبدأه ويعرف غيره، والأول لا يعرف إلا نفسه فهو ناقص بالإضافة إلى آحاد الناس فضلاً عن الملائكة، بل البهيمة مع شعورها بنفسها تعرف أموراً أخر سواها. ولا شك في أن العلم شرف وان عدمه نقصان. فأين قولهم: إنه عاشق ومعشوق لأن له البهاء الأكمل والجمال الأتم؟ وأي جمال لوجود بسيط لا ماهية له ولا حقيقة ولا خبر له مما يجري في العالم ولا مما يلزم

<<  <   >  >>