ثم باينهم في إثبات العلم بالغير؟ ولما استحيا أن يقال: إن الله لا يعلم شيئاً أصلاً في الدنيا والآخرة وإنما يعلم نفسه فقط وأما غيره فيعرفه ويعرف أيضاً نفسه وغيره فيكون غيره أشرف منه في العلم.
فترك هذا حياء من هذا المذهب واستنكافاً منه، ثم لم يستحي من الإصرار على نفي الكثرة من كل وجه وزعم أن علمه بنفسه وبغيره بل وبجميع الأشياء هو ذاته من غير مزيد، وهو عين التناقض الذي استحيا منه سائر الفلاسفة لظهور التناقض فيه في أول النظر. فإذن ليس ينفك فريق منهم عن خزي في مذهب، وهكذى يفعل الله بمن ضل عن سبيله وظن أن الأمور الإلهية يستولي على كنهها بنظره وتخييله.
[قولهم العلم يكون بمعرفة واحدة علم الأب والابن ...]
فإن قيل: إذا ثبت أنه يعرف نفسه مبدأ على سبيل الإضافة فالعلم بالمضاف واحد، إذ من عرف الابن عرفه بمعرفة واحدة وفيه العلم بالأب وبالأبوة والبنوة ضمناً، فيكثر المعلوم ويتحد العلم. فكذلك هو يعلم ذاته مبدأ لغيره، فيتحد العلم وإن تعدد المعلوم. ثم إذا عقل هذا في معلول واحد وإضافته إليه ولم يوجب ذلك كثرة، فالزيادة فيما لا يوجب جنسه كثرة لا توجب كثرة.
العلم يكون بعلم الشيء وبعلم العلم بالشيء وكذلك من يعلم الشيء ويعلم علمه بالشيء فإنه يعلمه بذلك العلم. فكل علم هو علم بنفسه وبمعلومه فيتعدد المعلوم ويتحد العلم.
تقولون إن معلومات الله لا نهاية لها وعلمه واحد ويدل عليه أيضاً أنكم ترون أن معلومات الله لا نهاية لها وعلمه واحد ولا تصفونه بعلوم لا نهاية لأعدادها. فإن كان تعدد المعلوم يوجب تعدد ذات العلم فليكن في ذات الله علوم لا نهاية لأعدادها وهذا محال.
[قولنا يقتضي ذلك كثرة أكثر مما إذا أضيف وجود إلى ماهية]
قلنا: مهما كان العلم واحداً من كل وجه لم يتصور تعلقه بمعلومين، بل يقتضي ذلك كثرة ما على ما هو وضع الفلاسفة واصطلاحهم في تقدير الكثرة، حتى بالغوا فقالوا: لو كان للأول ماهية موصوفة بالوجود لكان لذلك كثرة. فلم يعقلوا شيئاً واحداً له حقيقية ثم يوصف بالوجود، بل زعموا