[دليلهم الرابع قد يكون العلم والجهل في المحل الواحد]
إن كان العلم يحل جزءاً من القلب أو الدماغ مثلاً فالجهل ضده فينبغي أن يجوز قيامه بجزء آخر من القلب أو الدماغ ويكون الإنسان في حالة واحدة عالماً وجاهلاً بشيء واحد، فلما استحال ذلك تبين أن محل الجهل هو محل العلم وأن ذلك المحل واحد يستحيل اجتماع الضدين فيه فإنه لو كان منقسماً لما استحال قيام الجهل ببعضه والعلم ببعضه لأن الشيء في محل لا يضاده ضده في محل آخر، كما تجتمع البلقة في الفرس الواحد والسواد والبياض في العين الواحدة ولكن في محلين.
[الحواس لا ضد لإدراكاتها]
ولا يلزم هذا في الحواس فإنه لا ضد لإدراكاتها ولكنه قد يدرك وقد لا يدرك فليس بينهما إلا تقابل الوجود والعدم. فلا جرم نقول: يدرك ببعض أجزائه كالعين والأذن ولا يدرك بسائر بدنه، وليس فيه تناقض.
[في المحل الواحد بغير المجاز]
ولا يغني عن هذا قولكم إن العالمية مضادة للجاهلية، والحكم عام لجميع البدن إذ يستحيل أن يكون الحكم في غير محل العلة فالعالم هو المحل الذي قام العلم به، فإن أطلق الاسم على الجملة فبالمجاز، كما يقال: هو في بغداذ وإن كان هو في بعضها، وكما يقال: مبصر، وإن كنا بالضرورة نعلم أن حكم الإبصار لا يثبت للرجل واليد بل يختص بالعين، وتضاد الأحكام كتضاد العلل فإن الأحكام تقتصر على محل العلل.
[في المحل المهيأ لكل من العلم والجهل]
ولا يخلص من هذا قول القائل إن المحل المهيأ لقبول العلم والجهل من الإنسان واحد فيتضادان عليه، فإن عندكم أن كل جسم فيه حيوة فهو قابل للعلم والجهل ولم تشترطوا سوى الحيوة شريطة أخرى، وسائر أجزاء البدن