حدث العالم فيجب ارتكابها كما ارتكب سائر الفلاسفة أو لا بد من ترك الفلسفة والاعتراف بأن العالم حادث بالإرادة.
[أو لا بد من إبطاله]
ثم يقال: بم تنكر على من قال من الفلاسفة إن ذلك ليس بزيادة شرف؟ فإن العلم إنما احتاج إليه غيره ليستفيد به كمالاً فإنه في ذاته قاصر والإنسان شرف بالمعقولات إما ليطلع على مصلحته في العواقب في الدنيا والآخرة وإما لتكمل ذاته المظلمة الناقصة، وكذى سائر المخلوقات. وأما ذات الله فمستغنية عن التكميل، بل لو قدر له علم يكمل به لكان ذاته من حيث ذاته ناقصاً.
[فكما أن علمه بالخواص من النقصان، كذلك علمه بالكليات]
وهذا كما قلت في السمع والبصر وفي العلم بالجزئيات الداخلة تحت الزمان فإنك وافقت سائر الفلاسفة بأن الله منزه عنه وأن المتغيرات الداخلة في الزمان المنقسمة إلى ما كان ويكون لا يعرفه الأول لأن ذلك يوجب تغيراً في ذاته وتأثراً، ولم يكن في سلب ذلك عنه نقصان بل هو كمال وإنما النقصان في الحواس والحاجة إليها، ولولا نقصان الآدمي لما احتاج إلى حواس لتحرسه عما يتعرض للتغير به.
وكذلك العلم بالحوادث الجزئية زعمتم أنه نقصان. فإذا كنا نعرف الحوادث كلها وندرك المحسوسات كلها والأول لا يعرف شيئاً من الجزئيات ولا يدرك شيئاً من المحسوسات ولا يكون ذلك نقصاناً، فالعلم بالكليات العقلية أيضاً يجوز أن يثبت لغيره ولا يثبت له ولا يكون فيه نقصان أيضاً، وهذا لا مخرج عنه.