أن الوجود مضاف إلى الحقيقة وهو غريه فيقتضي كثرة. فعلى هذا الوجه لا يمكن تقدير علم يتعلق بمعلومات كثيرة إلا ويلزم فيه نوع كثرة أجلى وأبلغ من اللازم في تقدير وجود مضاف إلى ماهية.
القول الأول باطل ... وأما العلم بالابن وكذى سائر المضافات ففيه كثرة، إذ لا بد من العلم بذات الابن وذات الأب وهما علمان. وعلم ثالث وهو الإضافة. نعم هذا الثالث مضمن بالعلمين السابقين إذ هما من شرطه وضرورته وإلا فما لم يعلم المضاف أولاً لا تعلم الإضافة. فهي علوم متعددة بعضها مشروطة في البعض. فكذلك إذا علم الأول ذاته مضافاً إلى سائر الأجناس والأنواع بكونه مبدأ لها افتقر إلى أن يعلم ذاته وآحاد الأجناس وأن يعلم إضافة نفسه بالمبدئية إليها، وإلا لم يعقل كون الإضافة معلومة له.
... والثاني أيضاً ... وأما قولهم: إن من علم شيئاً علم كونه عالماً بذلك العلم بعينه فيكون المعلوم متعدداً والعلم واحداً، فليس كذلك بل يعلم كونه عالماً بعلم آخر وينتهي إلى علم يغفل عنه ولا يعلمه. ولا نقول: يتسلسل إلى غير نهاية، بل ينقطع على علم متعلق بمعلومه وهو غافل عن وجود العلم لا عن وجود المعلوم، كالذي يعلم السواد وهو في حال علمه مستغرق النفس بمعلومه الذي هو سواد وغافل عن علمه بالسواد وليس ملتفتاً إليه، فإن التفت إليه افتقر إلى علم آخر إلى أن ينقطع التفاته.
... وأما الثالث، فعليكم البرهان وأما قولهم: إن هذا ينقلب عليكم في معلومات الله فإنها غير متناهية والعلم عندكم واحد، فنقول: نحن لم نخض في هذا الكتاب خوض الممهدين بل خوض الهادمين المعترضين ولذلك سمينا الكتاب: تهافت الفلاسفة، لا تمهيد الحق. فليس يلزمنا هذا الجواب.
[قولهم في الأمر إشكال على جميع الفرق]
فإن قيل: إنا لا نلزمكم مذهب فرقة معينة من الفرق. فأما ما ينقلب على كافة الخلق وتستوي الأقدام في إشكاله فلا يجوز لكم إيراده، وهذا الإشكال منقلب عليكم ولا محيص لأحد من الفرق عنه.
[قولنا المقصود تشكيككم في دعاويكم]
قلنا: لا، بل المقصود تعجيزكم عن دعواكم معرفة حقائق الأمور بالبراهين