فلك؟ فيقال: وأي مناسبة بين كونه ممكن الوجود وبين وجود فلك منه؟ وكذلك يلزم من كونه عاقلاً لنفسه ولصانعه شيئان آخران. وهذا إذا قيل في إنسان ضحك منه، فكذى في موجود آخر إذ إمكان الوجود قضية لا تختلف باختلاف ذات الممكن إنساناً كان أو ملكاً أو فلكاً. فلست أدري كيف يقنع المجنون في نفسه بمثل هذه الأوضاع فضلاً من العقلاء الذين يشقون الشعر بزعمهم في المعقولات.
[اعتراض فماذا تقولون أنتم؟]
فإن قال قائل: فإذا أبطلتم مذهبهم فماذى تقولون أنتم؟ أتزعمون أنه يصدر من الشيء الواحد من كل وجه شيئان مختلفان، فتكابرون المعقول؟ أو تقولون: المبدأ الأول فيه كثرة، فتتركون التوحيد؟ أو تقولون لا كثرة في العالم، فتنكرون الحس؟ أو تقولون: لزمت بالوسائط، فتضطرون إلى الاعتراف بما قالوه؟
قولنا ليس من غير المعقول أن يصدر اثنان من واحد
وهذا ما ورد به الأنبياء
قلنا: نحن لم نخض في هذا الكتاب خوض ممهد، وإنما غرضنا أن نشوش دعاويهم وقد حصل. على أنا نقول: ومن زعم أن المصير إلى صدور اثنين من واحد مكابرة المعقول أو اتصاف المبدأ بصفات قديمة أزلية مناقض للتوحيد، فهاتان دعوتان باطلتان لا برهان لهم عليهما، فإنه ليس يعرف استحالة صدور الاثنين من واحد كما يعرف استحالة كون الشخص الواحد في مكانين، وعلى الجملة لا يعرف بالضرورة ولا بالنظر. وما المانع من أن يقال: المبدأ الأول عالم قادر مريد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد يخلق المختلفات والمتجانسات كما يريد وعلى ما يريد؟ فاستحالة هذا لا يعرف بضرورة ولا نظر، وقد ورد به الأنبياء المؤيدون بالمعجزات فيجب قبوله.
البحث عن الكيفية من الفضول وأما البحث عن كيفية صدور الفعل من الله بالإرادة ففضول وطمع في غير مطمع. والذين طمعوا في طلب المناسبة ومعرفته رجع حاصل نظرهم