وليس لها اللذات الحسية من الجماع والأكل وإنما لها لذة الشعور بكمالها وجمالها الذي خص بها في نفسها في اطلاعها على حقائق الأشياء وقربها من ربي العالمين في الصفات لا في المكان وفي رتبة الوجود، فإن الموجودات حصلت من الله على ترتيب وبوسائط فالذي يقرب من الوسائط رتبته لا محالة أعلى.
[ولكن الإنسان يفضلها على غيرها]
والثاني أن الإنسان أيضاً قد يؤثر اللذات العقلية على الحسية، فإن من يتمكن من غلبة عدو والشماتة به يهجر في تحصيله ملاذ الأنكحة والأطعمة بل قد يهجر الأكل طول النهار في لذة غلبة الشطرنج والنرد مع خسة الأمر فيه ولا يحس بألم الجوع. وكذلك المتشوف إلى الحشمة والرئاسة يتردد بين انخرام حشمته بقضاء الوطر من عشيقته مثلاً بحيث يعرفه غيره وينتشر عنه فيصون الحشمة ويترك قضاء الوطر ويستحقر ذلك محافظة على ماء الوجه فيكون ذلك لا محالة ألذ عنده، بل ربما يهجم الشجاع على جم غفير من الشجعان مستحقراً خطر الموت شغفاً بما يتوهمه بعد الموت من لذة الثناء والإطراء عليه.
[فالأفضلية هي للذات العقلية الأخروية]
فإذن اللذات العقلية الأخروية أفضل من اللذات الحسية الدنيوية ولولا ذلك لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقال تعالى:"لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين" فهذا وجه الحاجة إلى العلم.
[بعض العلوم نافعة]
والنافع من جملته العلوم العقلية المحضة وهي العلم بالله وصفاته وملائكته وكتبه وكيفية وجود الأشياء منه وما وراء ذلك إن كان وسيلة إليه، فهو نافع لأجله وإن لم يكن وسيلة إليه كالنحو واللغة والشعر