إحالة قول من يقول: إن ذاتاً واحداً عالم بجميع الكليات من غير أن يوجب ذلك كثرة ومن غير أن يكون العلم زيادة على الذات ومن غير أن يتعدد العلم مع تعدد المعلوم، وهذا مذهبكم في حق الله، وهو بالنسبة إلينا وإلى علومنا في غاية الإحالة، ولكن تقولون: لا يقاس العلم القديم بالحادث. وطائفة منكم استشعروا حالة هذا فقالوا: إن الله لا يعلم إلا نفسه، فهو العاقل وهو العقل وهو المعقول والكل واحد. فلو قال قائل: اتحاد العقل والعاقل والمعقول معلوم الاستحالة بالضرورة، إذ تقدير صانع للعالم لا يعلم صنعه محال بالضرورة، والقديم إذا لم يعلم إلا نفسه - تعالى عن قولكم وعن قول جميع الزائغين علواً كبيراً - لم يكن يعلم صنعه البتة. بل لا نتجاوز إلزامات هذه المسألة.
[دورات الفلك إن كان لا نهاية لأعدادها، لا يكون لها أقسام]
فنقول: بم تنكرون على خصومكم إذ قالوا: قدم العالم محال لأنه يؤدي إلى إثبات دورات للفلك لا نهاية لأعدادها ولا حصر لآحادها، مع أن لها سدساً وربعاً ونصفاً، فإن فلك الشمس يدور في سنة وفلك زحل في ثلاثين سنة، فتكون أدوار زحل ثلث عشر أدوار الشمس، وأدوار المشتري نصف سدس أدوار الشمس، فإنه يدور في اثني عشر سنة. ثم كما أنه لا نهاية لأعداد دورات زحل لا نهاية لأعداد دورات الشمس مع أنه ثلث عشره، بل لا نهاية لأدوار فلك الكواكب الذي يدور في ستة وثلاثين ألف سنة مرة واحدة، كما لا نهاية للحركة المشرقية التي للشمس في اليوم والليلة مرة. فلو قال قائل: هذا مما يعلم استحالته ضرورة، فبماذا تنفصلون عن قوله؟ بل لو قال قائل: أعداد هذه الدورات شفع أو وتر، أو شفع ووتر جميعاً، أو لا شفع ولا وتر.
ولا تكون شفع أو وتر فإن قلتم: شفع ووتر جميعاً، أو لا شفع ولا وتر، فيعلم بطلانه ضرورةً. وإن قلتم: شفع، فالشفع يصير وتراً بواحد، فكيف أعوز ما لانهاية له واحد؟ وإن قلتم: وتر، فالوتر يصير بواحد شفعاً، فكيف أعوز ذلك الواحد الذي به يصير شفعاً؟ فيلزمكم القول بأنه ليس بشفع ولا وتر.