للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علمه بالكليات ... فأما الأول فهو الذي اختاره ابن سينا. فإنه زعم أنه يعلم الأشياء كلها بنوع كلي لا يدخل تحت الزمان، ولا يعلم الجزئيات التي يوجب تجدد الإحاطة بها تغيراً في ذات العالم. فنقول: علم الأول بوجود كل الأنواع والأجناس التي لا نهاية لها عين علمه بنفسه أو غيره. فإن قلتم: إنه غيره، فقد أثبتم كثرة ونقضتم القاعدة. وإن قلتم: إنه عينه، لم تتميزوا عن من يدعي أن علم الإنسان بغيره عين علمه بنفسه وعين ذاته، ومن قال ذلك سفه في عقله.

... غير علمه بذاته وقيل: حد الشيء الواحد أن يستحيل في الوهم الجمع فيه بين النفي والإثبات. فالعلم بالشيء الواحد لما كان شيئاً واحداً استحال أن يتوهم في حالة واحدة موجوداً ومعدوماً، ولما لم يستحل في الوهم أن يقدر علم الإنسان بنفسه دون علمه بغيره قيل: إن علمه بغيره غير علمه بنفسه، إذ لو كان هو هو لكان نفيه نفياً له وإثباته إثباتاً له، إذ يستحيل أن يكون زيد موجوداً وزيد معدوماً، أعني هو بعينه في حالة واحدة، ولا يستحيل مثل ذلك في العلم بالغير مع العلم بنفسه. وكذى في علم الأول بذاته مع علمه بغيره إذ يمكن أن يتوهم وجود أحدهما دون الآخر، فهما إذن شيئان. ولا يمكن أن يتوهم وجود ذاته دون وجود ذاته. فلو كان الكل كذلك لكان هذا التوهم محالاً. فكل من اعترف من الفلاسفة بأن الأول يعرف غير ذاته فقد أثبت كثرة لا محالة.

قولهم كونه يعلم ذاته مبدأ للكل

يؤدي إلى أن يعلم الأشياء بالقصد الثاني

فإن قيل: هو لا يعلم الغير بالقصد الأول بل يعلم ذاته مبدأ للكل، فيلزمه العلم بالكل بالقصد الثاني إذ لا يمكن أن يعلم ذاته إلا مبدأ فإنه حقيقة ذاته، ولا يمكن أن يعلم ذاته مبدأ لغيره إلا ويدخل الغير في علمه بطريق التضمن واللزوم، ولا يبعد أن يكون لذاته لوازم. وذلك لا يوجب كثرة في ماهية الذات وإنما يمتنع أن يكون في نفس الذات كثرة.

<<  <   >  >>