فإن العداوة ليس أمراً مقدراً له كمية مقدارية حتى ينطبع مثالها في جسم مقدر وتنتسب أجزاؤها إلى أجزائه، وكون شكل الذئب مقدراً لا يكفي فإن الشاة أدركت شيئاً سوى شكله وهو المخالفة والمضادة والعداوة، والزيادة على الشكل من العداوة ليس لها مقدار وقد أدركته بجسم مقدر. فهذه الصور مشككة في هذا البرهان كما في الأول.
[قد يقال هلا تعترضون على الجوهر الفرد؟]
فإن قال قائل: هلا دفعتم هذه البراهين بأن العلم يحل من الجسم في جوهر متحيز لا يتجزى وهو الجزء الفرد.
[جوابنا هذا البحث طويل لا فائدة فيه]
قلنا: لأن الكلام في الجوهر الفرد يتعلق بأمور هندسية يطول القول في حلها. ثم ليس فيه ما يدفع الإشكال فإنه يلزم أن تكون القدرة والإرادة أيضاً في ذلك الجزء فإن للإنسان فعلاً ولا يتصور ذلك إلا بقدرة وإرادة ولا يتصور الإرادة إلا بعلم وقدرة الكتابة في اليد والأصابع، والعلم بها ليس في اليد إذ لا يزول بقطع اليد ولا إرادتها في اليد فإنه قد يريدها بعد شلل اليد وتتعذر لا لعدم الإرادة بل لعدم القدرة.
دليل ثالث
دليلهم الثالث الإنسان دون الجزء هو العالم
قولهم: العلم لو كان في جزء من الجسم لكان العالم ذلك الجزء دون سائر أجزاء الإنسان، والإنسان يقال له عالم والعالمية صفة له على الجملة من غير نسبة إلى محل مخصوص
[جوابنا وهو المبصر!]
وهذا هوس فإنه يسمى مبصراً وسامعاً وذائقاً، وكذى البهيمة توصف به وذلك لا يدل على أن إدراك المحسوسات ليس بالجسم بل هو نوع من التجوز كما يقال فلان في بغداذ وإن كان هو في جزء من جملة بغداذ لا في جملتها ولكن يضاف إلى الجملة.