لا محالة، ثم هو وصف إضافي فلا بد من ذات يضاف إليه، وليس إلا المادة. فكل حادث فقد سبقه مادة، فلم تكن المادة الأولى حادثة بحال.
اعتراض الإمكان هو قضاء العقل وهو يستدعي شيئاً موجوداً ...
الاعتراض أن يقال: الإمكان الذي ذكروه يرجع إلى قضاء العقل. فكل ما قدر العقل وجوده فلم يمتنع عليه تقديره سميناه ممكناً، وإن امتنع سميناه مستحيلاً، وإن لم يقدر على تقدير عدمه سميناه واجباً. فهذه قضايا عقلية لا تحتاج إلى موجود حتى تجعل وصفاً له. بدليل ثلاثة أمور:
...
[كذلك الامتناع]
أحدها أن الإمكان لو استدعى شيئاً موجوداً يضاف إليه ويقال إنه إمكانه لاستدعى الامتناع شيئاً موجوداً يقال إنه امتناعه، وليس للممتنع وجود في ذاته ولا مادة يطرى عليها المحال حتى يضاف الامتناع إلى المادة.
[إمكان السواد]
والثاني أن السواد والبياض يقضي العقل فيهما قبل وجودهما بكونهما ممكنين. فإن كان هذا الإمكان مضافاً إلى الجسم الذي يطريان عليه، حتى يقال معناه إن هذا الجسم يمكن أن يسود وأن يبيض، فإذن ليس البياض في نفسه ممكناً ولا له نعت الإمكان، وإنما الممكن الجسم والإمكان مضاف إليه. فنقول: ما حكم نفس السواد في ذاته أو هو ممكن أو واجب أو ممتنع، ولا بد من القول بأنه ممكن، فدل أن العقل في القضية بالإمكان لا يفتقر إلى وضع ذات موجود يضيف إليه الإمكان.
[إمكان النفوس]
والثالث أن نفوس الآدميين عندهم جواهر قائمة بأنفسها ليس بجسم ومادة ولا منطبع في مادة. وهي حادثة على ما اختاره ابن سينا والمحققون منهم، ولها إمكان قبل حدوثها وليس لها ذات ولا مادة. فإمكانها وصف إضافي ولا يرجع إلى قدرة القادر وإلى الفاعل، فإلى ماذا يرجع؟ فينقلب عليهم هذا الإشكال.
قولهم الإمكان ليس بقضاء العقل
فإذا قدر عدم القضاء، لم يزل الإمكان
فإن قيل: رد الإمكان إلى قضاء العقل محال، إذ لا معنى لقضاء العقل