الفرقة الثالثة الأشعرية إذ قالوا: أما الأعراض فإنها تفنى بأنفسها ولا يتصور بقاءها، لأنه لو تصور بقاءها لما تصور فناؤها لهذا المعنى. وأما الجواهر فليست باقية بأنفسها ولكنها باقية ببقاء زائد على وجودها، فإذا لم يخلق الله البقاء انعدم لعدم المبقى. وهو أيضاً فاسد لما فيه من مناكرة المحسوس في أن السواد لا يبقى والبياض كذلك وأنه متجدد الوجود، والعقل ينبوا عن هذا كما ينبوا عن قول القائل: إن الجسم متجدد الوجود في كل حالة، والعقل القاضي بأن الشعر الذي على رأس الإنسان في يوم هو الشعر الذي كان بالأمس لا مثله يقضي أيضاً به في سواد الشعر. ثم فيه إشكال آخر وهو أن الباقي إذا بقي ببقاء فيلزم أن تبقى صفات الله ببقاء. وذلك البقاء يكون باقياً فيحتاج إلى بقاء آخر، ويتسلسل إلى غير نهاية.
[وقول الفرقة الرابعة بعدم خلق الحركة أو السكون]
والفرقة الرابعة طائفة أخرى من الأشعرية إذ قالوا: إن الأعراض تفنى بأنفسها، وأما الجواهر فإنها تفنى بأن لا يخلق الله فيها حركة ولا سكوناً ولا اجتماعاً ولا افتراقاً، فيستحيل أن يبقى جسم ليس بساكن ولا متحرك فينعدم. وكأن فرقتي الأشعرية مالوا إلى أن الإعدام ليس بفعل، إنما هو كف عن الفعل، لما لم يعقلوا كون العدم فعلاً.
وإذا بطلت هذه الطرق لم يبق وجه للقول بجواز إعدام العالم.
[وقولهم باستحالة انعدام النفس الحادثة ...]
هذا لو قيل بأن العالم حادث، فإنهم مع تسليمهم حدوث النفس الإنسانية يدعون استحالة انعدامها بطريق يقرب مما ذكرناه.
[وباستحالة انعدام كل قائم بنفسه]
وبالجملة عندهم كل قائم بنفسه لا في محل لا يتصور انعدامه بعد