فقول القائل: يقال له كن فيكون، غير معقول إذ التراب لا يخاطب وانقلابه إنساناً دون التردد في هذه الأطوار محال. وتردده في هذه الأطوار دون جريان هذه الأسباب محال فيكون البعث محالاً.
[اعتراضنا هذا لا بد منه ولو في زمان طويل]
والاعتراض أنا نسلم أن الترقي في هذه الأطوار لا بد منه حتى يصير بدن الإنسان كما لا بد منه حتى يصير الحديد عمامة فإنه لو بقي حديداً لما كان ثوباً بل لا بد وأن يصير قطناً مغزولاً ثم منسوجاً. ولكن ذلك في لحظة أو في مدة ممكن ولم يبن لنا أن البعث يكون في أوحى ما يقدر إذ يكون جمع العظام وإنشاز اللحم وإنباته في زمان طويل وليس المناقشة فيه.
[وهذا يحصل بقدرة الله إما من غير واسطة]
وإنما النظر في أن الترقي في هذه الأطوار يحصل بمجرد القدرة من غير واسطة أو بسبب من الأسباب، وكلاهما ممكنان عندنا كما ذكرناه في المسألة الأولى من الطبيعيات عند الكلام على إجراء العادات، وإن المقترنات في الوجود اقترانها ليس على طريق التلازم بل العادات يجوز خرقها فيحصل بقدرة الله تعالى هذه الأمور دون وجود أسبابها.
[أو بواسطات غريبة]
وأما الثاني فهو أن نقول: ذلك يكون بأسباب ولكن ليس من شرط أن يكون السبب هو المعهود بل في خزانة المقدورات عجائب وغرائب لم يطلع عليها ينكرها من يظن أن لا وجود إلا لما شاهده، كما ينكر طائفة السحر والنارنجات والطلسمات والمعجزات والكرامات وهي ثابتة بالاتفاق بأسباب غريبة لا يطلع عليها.