للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنفس الجاهلة في الحيوة الدنيا حقها أن تتألم بفوات لذة النفس ولكن الاشتغال بالبدن ينسيه نفسه ويلهيه عن ألمه كالخائف لا يحس بالألم وكالخدر لا يحس بالنار، فإذا بقيت ناقصة حتى انحط عنه شغل البدن كان في صورة الخدر، إذا عرض على النار فلا يحس بالألم فإذا زال الخدر شعر بالبلا العظيم دفعة واحدة هجوماً.

[والبدن يشغل عنها]

والنفوس المدركة للمعقولات قد تلتذ بها التذاذاً خفياً قاصراً عما يقتضيه طباعه وذلك أيضاً لشواغل البدن وأنس النفس بشهواتها. ومثاله مثال المريض الذي في فيه مرارة يستبشع الشيء الطيب الحلو ويستهجن الغذاء الذي هو أتم أسباب اللذة في حقه فلا يتلذذ به لما عرض من المرض.

[فإذا انحط عنها أعباء البدن، أدركت اللذة دفعة]

فالنفوس الكاملة بالعلوم إذا انحط عنها أعباء البدن وشواغله بالموت كان مثاله مثال من عرض للطعم الألذ والذوق الأطيب وكان به عارض مرض يمنعه من الإدراك فزال العارض فأدرك اللذة العظيمة دفعة. أو مثال من اشتد عشقه في حق شخص فضاجعه ذلك الشخص وهو نائم أو مغمى عليه أو سكران فلا يحس به فتنبه فجأة فيشعر بلذة الوصال بعد طول الانتظار دفعة واحدة.

[اللذات الروحانية تفهم بالجسمانية]

وهذه اللذات حقيرة بالإضافة إلى اللذات الروحانية العقلية إلا أنه لا يمكن تفهيمه إلا بأمثلة مما شاهدها الناس في هذه الحيوة، وهذا كما أنا لو أردنا أن نفهم الصبي أو العنين لذة الجماع لم نقدر عليه إلا بأن نمثله في حق الصبي باللعب الذي هو ألذ الأشياء عنده وفي حق العنين بلذة الأكل الطيب مع شدة الجوع ليصدق بأصل وجود اللذة ثم يعلم أن ما فهمه بالمثال ليس يحقق عنده لذة الجماع وأن ذلك لا يدرك إلا بالذوق.

[وهذه أحط من الأولى لعدم وجودها في الملائكة]

والدليل على أن اللذات العقلية أشرف من اللذات الجسمانية أمران: أحدهما أن حال الملائكة أشرف من حال السباع والخنازير من البهائم

<<  <   >  >>