آلة إذ لا موجود مع الله في رتبته. فالكلام في حدوث الآلة الأولى، فلم يبق إلا أن تكون الكثرة في العالم صادرة من الله بطريق التوسط كما سبق.
[قولنا في العالم مركبات]
قلنا: فيلزم من هذا أن لا يكون في العالم شيء واحد مركب من أفراد، بل تكون الموجودات كلها آحاداً وكل واحد معلول لواحد آخر فوقه وعلة لآخر تحته إلى أن ينتهي إلى معلول لا معلول له كما انتهى في جهة التصاعد إلى علة لا علة له. وليس كذلك فإن الجسم عندهم مركب من صورة وهيولى وقد صار باجتماعهما شيئاً واحداً. والإنسان مركب من جسم ونفس ليس وجود أحدهما من الآخر بل وجودهما جميعاً بعلة أخرى. والفلك عندهم كذلك فإنه جرم ذو نفس، لم تحدث النفس بالجرم ولا الجرم بالنفس بل كلاهما صدرا من علة سواهما.
حيث يقع التقاء الواحد والمركب يبطل القول بأن الواحد لا يصدر منه إلا واحد فكيف وجدت هذه المركبات؟ أمن علة واحدة؟ فيبطل قولهم: لا يصدر من الواحد إلا واحد، أو من علة مركبة؟ فيتوجه السؤال في تركيب العلة إلى أن يلتقي بالضرورة مركب ببسيط. فإن المبدأ بسيط وفي الأواخر تركيب ولا يتصور ذلك إلا بالتقاء، وحيث يقع التقاء يبطل قولهم إن الواحد لا يصدر منه إلا واحد.
[قولهم مذهبنا في انقسام الموجودات ...]
فإن قيل: إذا عرف مذهبنا اندفع الإشكال، فإن الموجودات تنقسم إلى ما هي في محال كالأعراض والصور وإلى ما ليست في محال، وهذا ينقسم إلى ما هي محال لغيرها كالأجسام وإلى ما ليست بمحال كالموجودات التي هي جواهر قائمة بأنفسها، وهي تنقسم إلى ما يؤثر في الأجسام ونسميها نفوساً وإلى ما لا يؤثر في الأجسام بل في النفوس ونسميها عقولاً مجردة. أما الموجودات التي تحل في المحال كالأعراض فهي حادثة ولها علل حادثة وتنتهي إلى مبدأ هو حادث من وجه دائم من وجه، وهي الحركة الدورية وليس الكلام فيها.
[القائمة بأنفسها]
وإنما الكلام في الأصول القائمة بأنفسها لا في محال وهي ثلاثة: أجسام وهي أخسها، وعقول مجردة وهي التي لا تتعلق بالأجسام