والاعتراض أن نقول: نقصان القوى وزيادتها لها أسباب كثيرة لا تنحصر، فقد يقوى بعض القوى في ابتداء العمر وبعضها في الوسط وبعضها في الآخر وأمر العقل أيضاً كذلك. فلا يبقى إلا أن يدعى الغالب.
[مثل الشم]
ولا بعد في أن يختلف الشم والبصر في أن الشم يقوى بعد الأربعين والبصر يضعف وإن تساويا في كونهما حالين في الجسم، كما تتفاوت هذه القوى في الحيوانات فيقوى الشم من بعضها والسمع من بعضها والبصر من بعضها لاختلاف في أمزجتها لا يمكن الوقوف على ضبطه، فلا يبعد أن يكون مزاج الآلات أيضاً يختلف في حق الأشخاص وفي حق الأحوال.
[والعقل]
ويكون أحد الأسباب في سبق الضعف إلى البصر دون العقل أن البصر أقدم فإنه مبصر في أول فطرته ولا يتم عقله إلا بعد خمسة عشر سنة أو زيادة على ما يشاهد اختلاف الناس فيه، حتى قيل إن الشيب إلى شعر الرأس أسبق منه إلى شعر اللحية لأن شعر الرأس أقدم. فهذه الأسباب إن خاض الخائض فيها ولم يرد هذه الأمور إلى مجاري العادات فلا يمكن أن ينبنى عليها علم موثوق به لأن جهات الاحتمال فيما تزيد بها القوى أو تضعف لا تنحصر فلا يورث شيء من ذلك يقيناً.
دليل تاسع
دليلهم التاسع مهما تبدل الجسم فالإنسان يبقى بعينه ومعه علوم
قالوا: كيف يكون الإنسان عبارة عن الجسم مع عوارضه؟ وهذه الأجسام لا تزال تنحل والغذاء يسد مسد ما ينحل، حتى إذا رأينا صبياً انفصل من الجنين فيمرض مراراً ويذبل ثم يسمن وينموا فيمكننا أن نقول: لم يبق فيه بعد الأربعين شيء من الأجزاء التي كانت موجودة عند الانفصال بل كان أول وجوده من أجزاء المني فقط ولم يبق فيه شيء من أجزاء المني بل انحل كل ذلك وتبدل بغيره. فيكون هذا الجسم غير ذلك الجسم. ونقول: