الجزئيات في الاستقبال إلى غير نهاية وكيف يجتمع في نفس مخلوق في حالة واحدة من غير تعاقب علوم جزئية مفصلة لا نهاية لأعدادها ولا غاية لآحادها؟ ومن لا يشهد له عقله باستحالة ذلك فلييأس من عقله.
[نفس الفلك أشبه بنفس الإنسان]
فإن قلبوا هذا علينا في علم الله فليس تعلق علم الله بالاتفاق بمعلوماته على نحو تعلق العلوم التي هي للمخلوقات، بل مهما دار نفس الفلك دورة نفس الإنسان كان من قبيل نفس الإنسان فإنه شاركه في كونه مدركاً للجزئيات بواسطة، فإن لم يلتحق به قطعاً كان الغالب على الظن أنه من قبيله، فإن لم يكن غالباً على الظن فهو ممكن، والإمكان يبطل دعواهم القطع بما قطعوا به.
[قولهم إن نفس الإنسان تدرك جميع الأشياء لولا انشغالها]
فإن قيل: حق النفس الإنسانية في جوهرها أن تدرك أيضاً جميع الأشياء ولكن اشتغالها بنتائج الشهوة والغضب والحرص والحقد والحسد والجوع والألم وبالجملة عوارض البدن وما يورده الحواس عليه، حتى إذا أقبلت النفس الإنسانية على شيء واحد شغلها عن غيره. وأما النفوس الفلكية فبرية عن هذه الصفات لا يعتريها شاغل ولا يستغرقها هم وألم وإحساس فعرفت جميع الأشياء.
[قولنا لعل نفس الفلك تنشغل]
قلنا: وبم عرفتم أنه لا شاغل لها؟ وهلا كانت عبادتها واشتياقها إلى الأول مستغرقاً لها وشاغلاً لها عن تصور الجزئيات المفصلة؟ أو ما الذي يحيل تقدير مانع آخر سوى الغضب والشهوة وهذه الموانع المحسوسة؟ ومن أين عرف انحصار المانع في القدر الذي شاهدناه من أنفسنا، وفي العقلاء شواغل من علو الهمة وطلب الرئاسة ما يستحيل تصوره عند الأطفال ولا يعتقدونها شاغلاً ومانعاً، فمن أين يعرف استحالة