وهذا التحقيق وهو أن الإدراك الحال في محل إنما يدرك المحل لنسبة له إلى المحل، ولا يتصور أن يكون له نسبة إليه سوى الحلول فيه فليدركه أبداً، وإن كان هذه النسبة لا تكفي فينبغي أن لا يدرك أبداً إذ لا يمكن أن يكون له نسبة أخرى إليه كما أنه لما أن كان يعقل نفسه عقل نفسه أبداً ولم يغفل عنه بحال.
[جوابنا الإنسان يشعر بجسده]
قلنا: الإنسان ما دام يشعر بنفسه ولا يغفل عنه فإنه يشعر بجسده وجسمه. نعم لا يتعين له اسم القلب وصورته وشكله ولكنه يثبت نفسه جسماً حتى يثبت نفسه في ثيابه وفي بيته، والنفس الذي ذكروه لا يناسب البيت والثوب.
دائماً وإن على وجه غير معين
فإثباته لأصل الجسم ملازم له وغفلته عن شكله واسمه كغفلته عن محل الشم وإنهما زائدتان في مقدم الدماغ شبيهتين بحلمتي الثدي، فإن كل إنسان يعلم أنه يدرك الرائحة بجسمه ولكن محل الإدراك لا يتشكل له ولا يتعين وإن كان يدرك أنه إلى الرأس أقرب منه إلى العقب ومن جملة الرأس إلى داخل الأنف أقرب منه إلى داخل الأذن. فكذلك يشعر الإنسان بنفسه ويعلم أن هويته التي بها قوامه إلى قلبه وصدره أقرب منه إلى رجله فإنه يقدر نفسه باقياً مع عدم الرجل ولا يقدر على تقدير نفسه باقياً مع عدم القلب، فما ذكروه من أنه يغفل عن الجسم تارة وتارة لا يغفل عنه ليس كذلك.
دليل سابع
دليلهم السابع أن القوى الآلية يعرض لها من المواظبة على العمل كلال
قالوا القوى الدراكة بالآلات الجسمانية يعرض لها من المواظبة على العمل بإدامة الإدراك كلال لأن إدامة الحركة تفسد مزاج الأجسام فتكلها، وكذلك الأمور القوية الجلية الإدراك توهنها وربما تفسدها حتى لا تدرك عقيبها الأخفى الأضعف كالصوت العظيم للسمع والنور العظيم