بل لو لم ير إنسان المغناطيس وجذبه للحديد وحكي له ذلك لاستنكره وقال: لا يتصور جذب للحديد إلا بخيط يشد عليه ويجذب فإنه المشاهد في الجذب، حتى إذا شاهده تعجب منه وعلم أن علمه قاصر عن الإحاطة بعجائب القدرة. وكذلك الملحدة المنكرة للبعث والنشور إذا بعثوا ورأوا عجائب صنع الله فيه ندموا ندامة لا تنفعهم ويتحسرون على جحودهم تحسراً لا يغنيهم ويقال لهم:"هذا الذي كنتم به تكذبون" كالذي يكذب بالخواص والأشياء الغريبة.
إن الإنسان لو خلق عاقلاً لأنكر خلق الإنسان من النطفة
بل لو خلق إنسان عاقلاً ابتداء وقيل له إن هذه النطفة القذرة المتشابهة الأجزاء تنقسم أجزاؤها المتشابهة في رحم آدمية إلى أعضاء مختلفة لحمية وعصبية وعظمية وعرقية وغضروفية وشحمية فيكون منه العين على سبع طبقات مختلفة في المزاج واللسان والأسنان على تفاوتهما في الرخاوة والصلابة مع تجاورهما وهلم جرا إلى البدائع التي في الفطرة لكان إنكاره أشد من إنكار الملحدة حيث قالوا: أئذا كنا عظاماً نخرة الآية.
[فيجب عدم إنكار ما لم يشاهد]
فليس يتفكر المنكر للبعث أنه من أين عرف انحصار أسباب الوجود فيما شاهد ولم يبعد أن يكون في إحياء الأبدان منهاج غير ما شاهده. وقد ورد في بعض الأخبار أنه يعم الأرض في وقت البعث مطر قطراتها تشبه النطف وتختلط بالتراب فأي بعد في أن يكون في الأسباب الإلهية أمر يشبه ذلك ونحن لا نطلع عليه ويقتضي ذلك انبعاث الأجساد واستعدادها لقبول النفوس المحشورة، وهل لهذا الإنكار مستند إلا الاستبعاد المجرد؟