مسألة في بيان عجزهم عن إقامة الدليل على أن الله واحد
وأنه لا يجوز فرض اثنين واجبي الوجود كل واحد منهما لا علة له
[قولهم وجوب وجود الله إما لذاته وإما لعلة.]
المسلك الأول قولهم: إنهما لو كانا اثنين لكان نوع وجوب الوجود مقولاً على كل واحد منهما. وما قيل عليه أنه واجب الوجود فلا يخلوا إما أن يكون وجوب وجوده لذاته فلا يتصور أن يكون لغيره، أو وجوب الوجود له لعلة فيكون ذات واجب الوجود معلولاً، وقد اقتضت علة له وجوب الوجود. ونحن لا نريد بواجب الوجود إلا ما لا ارتباط لوجوده بعلة بجهة من الجهات.
زيد هو معلول لأنه ليس وحده إنساناً
وزعموا أن نوع الإنسان مقول على زيد وعلى عمرو. وليس زيد إنساناً لذاته إذ لو كان إنساناً لذاته لما كان عمرو إنساناً، بل لعلة جعله إنساناً. وقد جعل عمراً أيضاً إنساناً فتكثرت الإنسانية بتكثر المادة الحاملة لها. وتعلقها بالمادة معلول ليس لذات الإنسانية. فكذلك ثبوت وجوب الوجود لواجب الوجود إن كان لذاته فلا يكون إلا له، وإن كان لعلة فهو إذن معلول وليس بواجب الوجود، وقد ظهر بهذا أن واجب الوجود لا بد وأن يكون واحداً.
قولنا هذا التقسيم لا يطبق على الذي لا علة له ... قلنا: قولكم: نوع وجوب الوجود لواجب الوجود لذاته أو لعلة تقسيم خطأ في وضعه، فإنا قد بينا أن لفظ وجوب الوجود فيه إجمال، إلا أن يراد به نفي العلة فلتستعمل هذه العبارة. فنقول: لم يستحيل ثبوت موجودين لا علة لهما وليس أحدهما علة للآخر؟ فقولكم: إن الذي لا علة له لا علة له لذاته أو لسبب تقسيم الخطأ، لأن نفي العلة واستغناء الوجود عن العلة لا يطلب