جانب الوجود المماثل لجانب العدم في الإمكان بغير مخصص.
.. وما الذي خصص الإرادة؟
وإن قلتم: إن الإرادة خصصت، فالسؤال عن اختصاص الإرادة وأنها لم اختصت. فإن قلتم: القديم لا يقال له، لم؟ فليكن العالم قديماً ولا يطلب صانعه وسببه، لأن القديم لا يقال فيه: لم. فإن جاز تخصص القديم بالاتفاق بأحد الممكنين فغاية المستبعد أن يقال: العالم مخصوص بهيئات مخصوصة كان يجوز أن يكون على هيئات أخرى بدلاً عنها. فيقال: وقع كذلك اتفاقاً كما قلتم: اختصت الإرادة بوقت دون وقت وهيئة دون هيئة اتفاقاً. وإن قلتم: إن هذا السؤال غير لازم لأنه وارد على كل ما يريده وعائد على كل ما يقدره، فنقول: لا، بل هذا السؤال لازم لأنه عائد في كل وقت وملازم لمن خالفنا على كل تقدير.
[قولنا الإرادة تميز الشيء عن مثله]
قلنا: إنما وجد العالم حيث وجد وعلى الوصف الذي وجد وفي المكان الذي وجد بالإرادة، والإرادة صفة من شأنها تمييز الشيء عن مثله، ولولا أن هذا شأنها لوقع الاكتفاء بالقدرة. ولكن لما تساوى نسبة القدرة إلى الضدين ولم يكن بد من مخصص يخصص الشيء عن مثله فقيل: للقديم وراء القدرة صفة من شأنها تخصيص الشيء عن مثله، فقول القائل: لم اختصت الإرادة بأحد المثلين، كقول القائل: لم اقتضى العلم الإحاطة بالمعلوم على ما هو به؟ فيقال: لأن العلم عبارة عن صفة هذا شأنها، فكذى الإرادة عبارة عن صفة هذا شأنها، بل ذاتها تمييز الشيء عن مثله.