استدلوا فيه بأن قالوا: ثبت أن الحركة الدورية إرادية والإرادة تتبع المراد والمراد الكلي لا يتوجه إليه إلا إرادة كلية والإرادة الكلية لا يصدر منها شيء فإن كل موجود بالفعل معين جزئي والإرادة الكلية نسبتها إلى آحاد الجزئيات على وتيرة واحدة فلا يصدر عنها شيء جزئي بل لا بد من إرادة جزئية للحركة المعينة.
[فهي تدرك الجزئيات بإدراك جزئي]
فللفلك بكل حركة جزئية معينة من نقطة إلى نقطة معينة إرادة جزئية لتلك الحركة فله لا محالة تصور لتلك الحركات الجزئية بقوة جسمانية إذ الجزئيات لا تدرك إلا بالقوى الجسمانية، فإن كل إرادة فمن ضرورتها تصور لذلك المراد أي علم به سواء كان جزئياً أو كلياً.
[وبالتالي تدرك لوازمها]
ومهما كان للفلك تصور لجزئيات الحركات وإحاطة بها أحاط لا محالة بما يلزم منها من اختلاف النسب مع الأرض من كون بعض أجزائه طالعة وبعضها غاربة وبعضها في وسط سماء قوم وتحت قدم قوم، وكذلك يعلم ما يلزم من اختلاف النسب التي تتجدد بالحركة من التثليث والتسديس والمقابلة والمقارنة إلى غير ذلك من الحوادث السماوية إما بغير واسطة وإما بواسطة واحدة وإما بوسائط كثيرة. وعلى الجملة فكل حادث فله سبب حادث إلى أن ينقطع التسلسل بالارتقاء إلى الحركة السماوية الأبدية التي بعضها سبب للبعض. فإذن الأسباب والمسببات في سلسلتها تنتهي إلى الحركات الجزئية السماوية فالمتصور للحركات متصور للوازمها ولوازم لوازمها إلى آخر السلسلة.
[وبالتالي تدرك كل ما سيحدث]
فبهذا يطلع على ما يحدث فإن كل ما سيحدث فحدوثه واجب عن علته مهما تحققت العلة.