والقوى المدركة والمحركة في نطفة الحيوانات ليس يتولد عن الطبائع المحصورة في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ولا أن الأب فاعل ابنه بإيداع النطفة في الرحم ولا هو فاعل حيوته وبصره وسمعه وسائر المعاني التي هي فيه، ومعلوم أنها موجودة عنده، ولم نقل أنها موجودة به بل وجودها من جهة الأول إما بغير واسطة وإما بواسطة الملائكة الموكلين بهذه الأمور الحادثة، وهذا مما يقطع به الفلاسفة القائلون بالصانع والكلام معهم فقد تبين أن الوجود عند الشيء لا يدل على أنه موجود به.
فالأكمه إذا بصر فجأة ورأى الألوان لا يعلم أن نور الشمس هو السبب في انطباعها في بصره بل نبين هذا بمثال وهو أن الأكمه لو كان في عينه غشاوة ولم يسمع من الناس الفرق بين الليل والنهار لو انكشفت الغشاوة عن عينه نهاراً وفتح أجفانه فرأى الألوان ظن أن الإدراك الحاصل في عينه لصور الألوان فاعله فتح البصر وأنه مهما كان بصره سليماً ومفتوحاً والحجاب