هل علمت المرأة أنها لا تدخل بيت رجلها إلا لتجاهد فيه جهادها، وتبلو فيه بلاءها؟ وهل يقوم مال الدنيا بحقها فيما تعمل وما تجاهد، وهي أم الحياة ومنشئتها وحافظتها؟ فأين يكون موضع المال ومكان التفرقة في كثيره وقليله، والمال كله دون حقها؟
ولن يتفاوت الناس بالمال تختلف درجاتهم به، وتكون مراتبهم على مقداره، تكثر به مرة وتقل مرة, إلا إذا فسد الزمان، وبطلت قضية العقل، وتعطل موجب الشرع, وأصبحت السجايا تتحول, يملكها من يملك المال, ويخسرها من يخسره؛ فيكون الدين على النفوس كالدخيل المزاحم لموضعه، والمتدلي في غير حقه؛ وبهذا يرجع باطل الغني دِينًا يتعامل الناس معه، ودين الفقير بهرجًا لا يروج عند أحد؛ وليس هذا من ديننا، دين النفس والخلق، وإن ألف بعير يقنوها الرجل خالصة عليه، ثابتة له، لا تزيد في منزلة دينه قدر نملة ولا ما دونها. والحجران: الذهب والفضة, قد يكون شعاعهما في هذه الدنيا أضوأ من شمسها وقمرها، ولكنهما في نور النفس المؤمنة كحصاتين يأخذهما من تحت قدميه، ويذهب يزعم لك أنهما في قدر الشمس والقمر.
وهلاك الناس إنما يُقضى بمحاولتهم أن يكونوا أناسًا بعيوبهم وذنوبهم؛ فهذا هو الإنسان المدبر عن الله وعن نفسه وعن جنسه؛ لا يكون أبوه أبًا في عطفه، ولا أمه أمًّا في محبتها، ولا ابنه ابنًا في بره، ولا زوجته زوجة في وفائها؛ وإنما يكونون له مهالك، كما روينا عن رسول الله, صلى الله عليه وسلم:"يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأبويه وولده؛ يعيرونه بالفقر، ويكلفونه ما لا يطيق؛ فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك".
وصاح المؤذن، فقطع الشيخ مجلسه وقام إلى الصلاة، ثم خرج إلى داره، فتلقته ابنته وعلى وجهها مثل نوره، قالت: يا أبت كنت أتلو الساعة قوله تعالى: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً}[البقرة: ٢٠١] فما حسنة الدنيا؟ قال: يا بنية، هي التي تصلح أن تذكر مع حسنة الآخرة، وما أراها للرجل إلا الزوجة الصالحة، ولا للمرأة ...
وطُرق الباب، فذهب الشيخ يفتح، فإذا الطارق "عبد الله بن أبي وداعة"؛ وكان يجالسه ويأخذ عنه ويلزم حلقته، ولكنه فقده أيامًا؛ فدخل فجلس. قال الشيخ:"أين كنت؟ ".