للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عندها، أي: طبيعته بالقياس إلى طبيعتها، كمال جسم مفصل لجسم تفصيل الثوب الذي يلبسه ويختال فيه؟ أما إن هذا من عمل الله وحده, كما يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، يبسط مثل ذلك للنساء في رجالهن ويقدر.

فإذا لم تصب المرأة رجلها القوي -وهو الأعم الأغلب- لم تستطع أن تكون معه في حقيقة ضعفها الجميل، وعملت على أن يكون الرجل هو الضعيف، لتكون معه في تزوير القوة عليه وعلى حياته، وبهذا تخرج من حيزها؛ وما أول خروج النساء إلى الطرقات إلا هذا المعنى؛ فإن كثر خروجهن في الطريق، وتسكعْنَ ههنا وههنا، فإنما تلك صورة من فساد الطبيعة فيهن ومن إملاقها أيضًا.

قال الشيح: وكأن في الحديث الشريف إيماء إلى أن بعض الحق على النساء أن ينزلن عن بعض الحق الذي لهن إبقاء على نظام الأمة، وتيسيرًا للحياة في مجراها؛ كما ينزل الرجل عن حقه في حياته كلها إذا حارب في سبيل أمته، إبقاء عليها وتيسيرًا لحياتها في مجراها. فصبر المرأة على مثل هذه الحالة هو نفسه جهادها وحربها في سبيل الأمة، ولها عليه من ثواب الله مثل ما للرجل يقتل أو يجرح في جهاده.

ألا وإن حياة بعض النساء مع بعض الرجال تكون أحيانًا مثل القتل، أو مثل الجرح، وقد تكون مثل الموت صبرًا على العذاب! ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمزوجة يسألها عن حالها وطاعتها وصبرها مع رجلها: "فأين أنت منه؟ " قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه! قال: "فكيف أنت له؟ فإنه جنتك ونارك".

آه! آه! حتى زواج المرأة بالرجل هو في معناه مرور المرأة المسكينة في دنيا أخرى إلى موت آخر، ستحاسب عنده بالجنة والنار، فحسابها عند الله نوعان: ماذا صنعت بدنياك ونعيمها وبؤسها عليك؟ ثم ماذا صنعت بزوجك ونعيمه وبؤسه فيك؟

وقد روينا أن امرأة جاءت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إني وافدة النساء إليك؛ ثم ذكرت ما للرجال في الجهاد من الأجر والغنيمة؛ ثم قالت: فما لنا من ذلك؟

فقال صلى الله عليه وسلم: "أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة للزوج، واعترافًا بحقه يعدل ذلك, وقليل منكن من يفعله! ".

وقال الشيخ: تأملوا, اعجبوا من حكمة النبوة ودقتها وبلاغتها؛ أيقال في المرأة المحبة لزوجها المفتتنة به المعجبة بكماله: إنها أطاعته واعترفت بحقه؟ أَوَلَيس ذلك طبيعة الحب إذا كان حبًّا؟ فلم يبق إذن إلا المعنى الآخر، حين لا

<<  <  ج: ص:  >  >>