للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو معاوية: وكان الشيخ قد استبطأني وقد تركتُه في فناء الدار، وكنت زوَّرت في نفسي كلامًا طويلًا عن فروته الحقيرة التي يلبسها، فيكون فيها من بَذَاذة الهيئة كالأجير الذي لم يجد من يستأجره، فظهر الجوع حتى على ثيابه. وقد مر بالشيخ رجل من المسودة١ وكان الشيخ في فروته هذا جالسًا في موضع فيه خليج من المطر، فجاءه المسود فقال: قم فاعبر بي هذا الخليج, وجذبه بيده فأقامه وركبه والشيخ يضحك.

وكنت أريد أن أقول لأم محمد: إن الصحو في السماء لا يكون فقرًا في السماء، وإن فروة الشيخ تعرف الشيخ أكثر من زوجته، وإن المؤمن في لذات الدنيا كالرجل الذي يضع قدميه في الطين ليمشي، أكبر همه ألا يجاوز الطين قدميه.

ولكن صوت الشيخ ارتفع: هل عليكم إذن؟

قال معاوية: فبدرت وقلت: باسم الله أدخل؛ كأني أنا الزوجة, وسمعت همسًا من الضحك؛ ودخل أبو محمد إلى جانبي، وغمزني في ظهري غمزة؛ فقلت: يا أم محمد, إن شيخك في ورعه وزهده ليشبعه ما يشبع الهدهد، ويُرويه ما يُروي العصفور، ولئن كان متهدمًا فإنه جبل علم، "ولا تنظري إلى عَمَش عينيه، وحُموشة ساقيه، فإنه إمام وله قَدْر"٢.

فصاح الشيخ: قم أخزاك الله، ما أردتَ إلا أن تعرفها عيوبي!

قال أبو معاوية: ولكني لم أقم، بل قامت زوجة الشيخ فقبلت يده.


١ الذين يلبسون السواد، وهم شيعة العباسيين.
٢ ما بين القوسين هو الوارد في التاريخ، وعليه بنينا هذه القصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>