وإذا ضاقت الدار فلِمَ لا تتسع النفس التي فيها؟ المرأة وحدها هي الجو الإنساني لدار زوجها، فواحدة تدخل الدار فتجعل فيها الروضة ناضرة متروحة باسمة، وإن كانت الدار قحطة مسحوتة ليس فيها كبير شيء؛ وامرأة تدخل الدار فتجعل فيها مثل الصحراء برمالها وقيظها وعواصفها، وإن كانت الدار في رياشها ومتاعها كالجنة السندسية؛ وواحدة تجعل الدار هي القبر. والمرأة حق المرأة هي التي تترك قلبها في جميع أحواله على طبيعته الإنسانية، فلا تجعل هذا القلب لزوجها من جنس ما هي فيه من عيشة: مرة ذهبًا، ومرة فضة، ومرة نحاسًا أو خشبًا أو ترابًا، فإنما تكون المرأة مع رجلها من أجله ومن أجل الأمة معًا؛ فعليها حقان لا حق واحد، أصغرها كبير. ومن ثم فقد وجب عليها إذا تزوجت أن تستشعر الذات الكبيرة مع ذاتها، فإن أغضبها الرجل بهفوة منه، تجافت له عنها، وصفحت من أجل نظام الجماعة الكبرى، وعليها أن تحكم حينئذ بطبيعة الأمة لا بطبيعة نفسها، وهي طبيعة تأبى التفرق والانفراد، وتقوم على الواجب، وتضاعف هذا الواجب على المرأة بخاصة.
والإسلام يضع الأمة ممثلة في النسل بين كل رجل وامرأته، ويوجب هذا المعنى إيجابًا؛ ليكون في الرجل وامرأته شيء غير الذكورة والأنوثة، ويجمعهما ويقيد أحدهما بالآخر، ويضع في بهيميتهما التي من طبيعتها أن تتفق وتختلف، إنسانية من طبيعتها أن تتفق ولا تختلف.
ومتى كان الدين بين كل زوج وزوجته، فمهما اختلفا وتدابرا وتعقدت نفساهما، فإن كل عقدة لا تجيء إلا ومعها طريقة حلها، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه، وهو اليسر والمساهلة، والرحمة والمغفرة، ولين القلب وخشية الله؛ وهو العهد والوفاء، والكرم والمؤاخاة والإنسانية؛ وهو اتساع الذات وارتفاعها فوق كل ما تكون به منحطة أو ضيقة.
قال أبو معاوية: فحق الرجل المسلم على امرأته المسلمة، هو حق من الله، ثم من الأمة، ثم من الرجل نفسه، ثم من لطف المرأة وكرمها، ثم مما بينهما معًا. وليس عجيبًا بعد هذا ما روينا عن النبي -صلى الله عليه وسلم:"لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن؛ لما جعل الله لهم عليهن من الحق".
وهذه عائشة أم المؤمنين قالت: يا معشر النساء، لو تعلمن بحق أزواجكن عليكن، لجعلتِ المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بحُرِّ وجهها.