وعَتَاد أبطالها، وأخلاق أبطالها؛ ثم ألا تكون دائمًا إلا من وراء أبطالها؟ وكيف تلد البطل إذا كان في أخلاقها الضعة والمطامع الذليلة والضجر والكسل والبلادة؟ ألا إن المرأة كالدار المبنية، لا يسهل تغيير حدودها إلا إذا كانت خرابًا.
فاعترضته امرأة الشيخ وقالت: وهل بأس بالدار إذا وُسِّعت حدودها من ضيق؟ أتكون الدار في هذا إلى نقصها أو تمامها؟
قال أبو معاوية: فكدت أنقطع في يدها، وأحببت أن أمضي في استمالتها، فتركتها هنيهة ظافرة بي، وأريتها أنها شدتني وثاقًا، وأطرقت كالمفكر؛ ثم قلت لها: إنما أحدثك عن أم معاوية لأبي معاوية؛ وتلك دار لا تملك غير أحجارها وأرضها, فبأي شيء تتسع؟
زعموا أنه كان رجل عامل يملك دُوَيرة قد التصقت بها مساكن جيرانه، وكانت له زوجة حمقاء، ما تزال ضيقة النفس بالدار وصغرها، كأن في البناء بناء حول قلبها, وكانا فقيرين، كأم معاوية وأبي معاوية؛ فقالت له يومًا: أيها الرجل، ألا توسع دارك هذه؛ ليعلم الناس أنك أيسرت وذهب عنك الضر والفقر؟ قال: فبماذا أوسعها وما أملك شيئًا، أَأُمسك بيميني حائطًا وبشمالي حائطًا فأمدهما أباعد بينهما؟ وهبيني ملكت التوسعة ونفقتها، فكيف لي بدور الجيران وهي ملاصقة لنا بيتَ بيت؟
قالت الحمقاء: فإننا لا نريد إلا أن يتعالم الناس أننا أيسرنا؛ فاهدم أنت الدار، فإنهم سيقولون: لولا أنهم وجدوا واتسعوا وأصبح المال في يدهم لما هدموا!
قال أبو معاوية: وغاظتني زوجة الشيخ فلم أسمع لها همسة من الضحك لمثل الحمقاء، وما اخترعتُه إلا من أجلها تريد أن يذهب عملي باطلًا؛ فقلت: وهل تتسع أم معاوية من فقرها إلا منا كما اتسع ذلك الأعرابي في صلاحه؟
قالت: وما خبر الأعرابي؟
قلت: دخل علينا المسجد يومًا أعرابي جاء من البادية، وقام يصلي فأطال القيام والناس يرمقونه، ثم جعلوا يتعجبون منه، ثم رفعوا أصواتهم يمدحونه ويصفونه بالصلاح؛ فقطع الأعرابي صلاته وقال لهم: مع هذا إني صائم.
قال أبو معاوية: فما تمالكت أن ضحكتْ، وسمعتْ صوت نفسها، وميزت فيه الرضى مقبلًا على الصلح الذي أتسبب له. ثم قلت: