للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلوق شيء قليل عندك من فرط ما يتيسر؛ أَوَما علمت أن رزق الصالحين كالصالحين أنفسهم، يصوم عن أصحابه اليوم واليومين. وكأنك سمعت شيئًا من أخبار أمهات المؤمنين، أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونساء أصحابه -رضوان الله عليهم- فما خير امرأة مسلمة لا تكون بأدبها وخلقها الإسلامي كأنها بنت إحدى أمهات المؤمنين؟

أفرأيتِ لو كنت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم؛ أفكان ينقلك هذا إلى أحسن مما أنت فيه من العيش؛ وهل كانت فاطمة بنت ملك تعيش في أحلام نفسها، أو بنت نبي تعيش في حقائق نفسها العظيمة؟

تقولين: إنني استأصلت أم معاوية من جذورها؛ فما أم معاوية وما جذورها؟ أهي خير من أسماء بنت أبي بكر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد قالت عن زوجها البطل العظيم: تزوجني وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه وناضحه١، فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسُوسه، وأدق النوى لناضحه وأعلفه، وأستقي الماء وأخرز غَربه٢ وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ، حتى أرسل إلي أبو بكر بجارية، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني.

هكذا ينبغي لنساء المسلمين في الصبر والإباء والقوة، والكبرياء بالنفس على الحياة كائنة ما كانت، والرضا والقناعة ومؤازرة الزوج وطاعته، واعتبار ما لهن عند الله لا ما لهن عند الرجل، وبذلك يرتفعن على نساء الملوك في أنفسهن، وتكون المرأة منهن وما في دارها شيء، وعندها أن في دارها الجنة. وهل الإسلام إلا هذه الروح السماوية التي لا تهزمها الأرض أبدًا، ولا تذلها أبدًا، ما دام يأسها وطمعها معلقين بأعمال النفس في الدنيا، لا بشهوات الجسم من الدنيا؟

هل الرجل المسلم الصحيح الإسلام، إلا مثل الحرب يثور حولها غبارها، ويكون معها الشظف والبأس والقوة والاحتمال والصبر, إذ كان مفروضًا على المسلم أن يكون القوة الإنسانية لا الضعف، وأن يكون اليقين الإنساني لا الشك، وأن يكون الحق في هذه الحياة لا الباطل؟

وهل امرأة المسلم إلا تلك المفروض عليها أن تُمد هذه الحرب بأبطالها،


١ النواضح: الإبل يستقى عليها، واحدها ناضح وسائقها النضّاح.
٢ الغرب: الدلو العظيمة تتخذ من جلد الثور.

<<  <  ج: ص:  >  >>