للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل نفسه؛ وكل ما تفقده من حاجاتها وشهوات نفسها، فهو عندها فقر بمعنيين: أحدهما من الأشياء، والآخر من الرجل. كلما أكثر الرجل من إتحافها كثر عندها، وإن أقل قل. وإنما خلقت المرأة بطنًا يلد، فبطنها هو أكبر حقيقتها، وهذه غايتها وغاية الحكمة فيها؛ لا جرم كان لها في عقلها معدة معنوية؛ وليس حبها للحلي والثياب والزينة والمال، وطماحها إليها، واستهلاكها في الحرص والاستشراف لها, إلا مظهرًا من حكم البطن وسلطانه؛ فذلك كله إذا حققته في الرجل لم تجده عنده إلا من أسباب القوة والسلطة، وكان فقده من ذرائع الضعف والقلة؛ فإذا حققته في المرأة ألفيته عندها من معاني الشبع والبطر، وكان فقده عندها كأنه فن من الجوع، وكانت شهوتها له كالقرم إلى اللحم عند من حُرِم اللحم؛ وهذا بعض الفرق بين الرجال والنساء؛ فلن يكون عقل المرأة كعقل الرجل لمكان الزيادة في معانيها "البطنية" فحُسبت لها الزيادة ههنا بالنقص هناك؛ فهن ناقصات عقل ودين كما ورد في الحديث. أما نقص العقل فهذه علته؛ وأما الدين فلغلبة تلك المعاني على طبيعتها كما تغلب على عقلها؛ فليس نقص الدين في المرأة نقصًا في اليقين أو الإيمان، فإنها في هذين أقوى من الرجل؛ وإنما ذاك هو النقص في المعاني الشديدة التي لا يكمل الدين إلا بها؛ معاني الجوع من نعيم الدنيا وزينتها، وامتداد العين إليها، واستشراف النفس لها؛ فإن المرأة في هذا أقل من الرجل؛ وهل لهذه العلة ما برحت تُؤْثر دائمًا جمال الظاهر وزينته في الرجال والأشياء، دون النظر إلى ما وراء ذلك من حقيقة المنفعة.

قال أبو معاوية: وأريتُها أني جائع، فنهشت نهش الأعرابي، كيلا تفطن إلى ما أردت من زعم الجوع؛ ثم أحببت أن أستدعي كلامها وأستميلها لأن تضحك وتُسر، فأغير بذلك ما في نفسها، فيجد كلامي إلى نفسها مذهبًا؛ فقلت: يا أم محمد، قد تحرمت بطعامك، ووجب حقي عليك، فأشيري عليّ برأيك فيما أستصلح به زوجتي، فإنها غاضبة علي، وهي تقول لي: والله ما يقيم الفأر في بيتك إلا لحب الوطن, وإلا فهو يسترزق من بيوت الجيران.

قالت: وقد أعدمت حتى من كسر الخبز والجزر المسلوق؟ الله منك! لقد استأصَلْتَها من جذورها؛ إن في أمراض النساء الحمى التي اسمها الحمى، والحمى التي اسمها الزوج.

فقلت: الله الله يا أم محمد؛ لقد أيسرت بعدنا، حتى كأن الخبز والجزر

<<  <  ج: ص:  >  >>