للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأمومتها، فإذا قيل: إن في صورتها قبحًا، فالحسناء التي لا تلد أقبح منها في المعنى. وانظر أنت كيف يكون القبح الذي يقال: إن الحسن أقبح منه!

فمن أين تناولت الحديث رأيته دائرًا على تقدير أن لا قبح في صورة المرأة, وأنها منزهة في لسان المؤمن أن توصف بهذا الوصف، فإن كلمات القبح والحسن لغة بهيمية تجعل حب المرأة حبا على طريقة البهائم، من حيث تفضُلها طريقة البهائم بأن الحيوان على احتباسه في غرائزه وشهواته، لا يتكذب في الغريزة ولا في الشهوة بتلوينهما ألوانًا من خياله، ووضعهما مرة فوق الحد، ومرة دون الحد١.

فأكبر الشأن هو للمرأة التي تجعل الإنسان كبيرًا في إنسانيته، لا التي تجعله كبيرًا في حيوانيته، فلو كانت هذه الثانية هي التي يصطلح الناس على وصفها بالجمال فهي القبيحة لا الجميلة، إذ يجب على المؤمن الصحيح الإيمان أن يعيش فيما يصلح به الناس، لا فيما يصطلح عليه الناس؛ فإن الخروج من الحدود الضيقة للألفاظ، إلى الحقائق الشاملة، هو الاستقامة بالحياة على طريقها المؤدي إلى نعيم الآخرة وثوابها.

وهناك ذاتان لكل مؤمن: إحداهما غائبة عنه، والأخرى حاضرة فيه، وهو إنما يصل من هذه إلى تلك، فلا ينبغي أن يحصر السماوية الواسعة في هذه الترابية الضيقة؛ والقبح إنما هو لفظ ترابي يشار به إلى صورة وقع فيها من التشويه مثل معاني التراب، والصورة فانية زائلة، ولكن عملها باقٍ؛ فالنظر يجب أن يكون إلى العمل؛ فالعمل هو لا غيره الذي تتعاوره ألفاظ الحسن والقبح.

وبهذا الكمال في النفس، وهذا الأدب، قد ينظر الرجل الفاضل من وجه زوجته الشوهاء الفاضلة، لا إلى الشوهاء، ولكن إلى الحور العين. إنهما في رأي العين رجل وامرأة في صورتين متنافرتين جمالًا وقبحًا؛ أما في الحقيقة والعمل وكمال الإيمان الروحي، فهما إرادتان متحدتان تجذب إحداهما الأخرى جاذبية عشق، وتلتقيان معًا في النفسين الواسعتين، المراد بهما الفضيلة وثواب الله والإنسانية؛ ولذلك اختار الإمام أحمد بن حنبل عوراء على أختها، وكانت أختها جميلة، فسأل: من أعقلهما؟ فقيل: العوراء, فقال: زوجوني إياها. فكانت العوراء في رأي الإمام وإرادته هي ذات العينين الكحيلتين، لوفور عقله وكمال إيمانه.


١ بسطنا هذا المعنى في كتابنا "السحاب الأحمر".

<<  <  ج: ص:  >  >>