قال مسلم: ثم جَلَوْن ابنته عليَّ وقد ملأن عيني هرمًا وموتًا وأخيلة شياطين وظلال قرود؛ فما كدت أستفيق لأرى زوجتي، حتى أسرعن فأرخين الستور علينا؛ فحمدت الله لذهابهن، ونظرت.
وصاح ابن أيمن وقد أكله الغيظ: لقد أطلت علينا، فستحكي لنا قصتك إلى الصباح، قد علمناها ويلك، فما خبر الدميمة الشوهاء؟
قال مسلم: لم تكن الدميمة الشوهاء إلا العروس....
فزاغت أعين الجماعة، وأطرق ابن أيمن إطراقة من ورد عليه ما حيره, ولكن الرجل مضى يقول:
ولما نظرتها لم أر إلا ما كنت حفظته عن أبي عبد الله البلخي، وقلت: هي نفسي جاءت بي إليها، وكأن كلام الشيخ إنما كان عملًا يعمل في ويديرني ويصرفني؛ وما أسرع ما قامت المسكينة فأكبت على يدي وقالت:
"يا سيدي، إني سر من أسرار والدي، كتمه عن الناس وأفضى به إليك، إذ رآك أهلًا لستره عليه، فلا تَخْفِر ظنه فيك، ولو كان الذي يطلب من الزوجة حسن صورتها دون حسن تدبيرها وعفافها لعظمت محنتي، وأرجو أن يكون معي منهما أكثر مما قصَّر بي في حسن الصورة؛ وسأبلغ محبتك في كل ما تأمرني؛ ولو أنك آذيتَني لعددت الأذى منك نعمة، فكيف إن وسعني كرمك وسترك؟ إنك لا تعامل الله بأفضل من أن تكون سببًا في سعادة بائسة مثلي, أفلا تحرص يا سيدي، على أن تكون هذا السبب الشريف".
ثم إنها وثبت فجاءت بمال في كيس، وقالت: يا سيدي، قد أحل الله لك معي ثلاث حرائر، وما آثرته من الإماء؛ وقد سوغتك تزويج الثلاث وابتياع الجواري من مال هذا الكيس، فقد وقفته على شهواتك، ولست أطلب منك إلا ستري فقط!
قال أحمد بن أيمن: فحلف لي التاجر أنها ملكت قلبي ملكًا لا تصل إليه حسناء بحسنها؛ فقلت لها: إن جزاء ما قدمت ما تسمعينه مني: "والله, لأجعلنك حظي من دنياي فيما يُؤثِره الرجل من المرأة، ولأضربن على نفسي الحجاب، ما تنظر نفسي إلى أنثى غيرك أبدًا". ثم أتممت سرورها، فحدثتُها بما حفظتُه عن أبي عبد الله البلخي. فأيقنت -والله يا أحمد- أنها نزلت مني في أرفع