التاجر. قال: ما خفي عني محلك ومحل أبيك. فقلت: جئتُك خاطبًا لابنتك. قال: والله, ما بي عنك رغبة، ولقد خطبها إلي جماعة من وجوه البصرة وما أجبتهم، وإني لكاره إخراجها من حِضْني إلى من يقوِّمها تقويم العبيد. فقلت: قد رفعها الله عن هذا الموضع، وأنا أسألك أن تدخلني في عددك، وتخلطني بشملك.
فقال: ولا بد من هذا؟ قلت: لا بد. قال: اغد علي برجالك.
فانصرفت عنه إلى ملأ من التجار ذوي أخطار، فسألتهم الحضور في غد، فقالوا: هذا رجل قد رد من هو أثرى منك، وإنك لتحركنا إلى سعي ضائع.
قلت: لا بد من ركوبكم معي. فركبوا على ثقة من أنه سيردهم.
فصاح ابن أيمن، وقد كادت روحه تخرج: فذهبتَ، فزوجك بالجميلة الرائعة أم هذين؛ فما خبر تلك الدميمة؟
قال مسلم: يا سيدي قد صبرت إلى الآن، أفلا تصبر على كلمات تنبئك من أين يبدأ خبر الدميمة، فإني ما عرفتها إلا في العرس!
قال: وغدونا عليه فأحسن الإجابة وزوجني، وأطعم القوم ونحر لهم، ثم قال: إن شئت أن تبيت بأهلك فافعل، فليس لها ما يحتاج إلى التلوم عليه وانتظاره.
فقلت: هذا يا سيدي ما أحبه. فلم يزل يحدثني بكل حسن حتى كانت المغرب، فصلاها بي، ثم سبح وسبحت، ودعا ودعوت، وبقي مقبلًا على دعائه وتسبيحه ما يلتفت لغير ذلك. فأمضّني -علم الله- كأنه يرى أن ابنته مقبلة مني على مصيبة، فهو يتضرع ويدعو!
ثم كانت العَتَمَة فصلاها بي، وأخذ بيدي فأدخلني إلى دار قد فُرشت بأحسن فرش، وبها خدم وجوارٍ في نهاية من النظافة؛ فما استقر بي الجلوس حتى نهض وقال: أستودعك الله، وقدم الله لكما الخير وأحرز التوفيق.
واكتنفني عجائز من شمله، ليس فيهن شابة إلا من كانت في الستين, فنظرت فإذا وجوه كوجوه الموتى، وإذا أجسام بالية يتضامّ بعضها إلى بعض، كأنها أطلال زمن قد انقضّ بين يدي.
فصاح ابن أيمن: وإن دميمتك لعجوز أيضًا؟ ما أراك يابن عمران إلا قتلتَ أم الغلامين!