الدمع! " قالت: لأنها تبكي فيها بكاء صلاة وحب، لا بكاء حب فقط!
ثم طاشت الطيشة الكبرى!
قلت: وما الطيشة الكبرى؟
قال: إنها كتبت إلي هذه الرسالة:
"عزيزي رغم أنفي ...
لقد أذللتني بشيئين: أحدهما أنك لم تذل لي، وجعلتني -على تعليمي- أشد جهلًا من الجاهلة؛ وقد نسيت أن المرأة المتعلمة تعرف ثم تعرف مرتين: تعرف كيف تخطئ إذا وجب أن تخطئ، وهذه هي المعرفة الأولى؛ أما المعرفة الثانية فتوهمها أنت، فكأني قلتُها لك".
"اعلم -يا عزيزي رغم أنفي- أني إذا لم أكن عزيزتك رغم أنفك، فسآتي ما يجعلك سَلَفًا ومَثَلًا، وستكتب الصحف عنك أول حادث يقع في مصر عن أول رجل اختطفته فتاة! "
"وبعد، فقد أرسلت روحي تعانق روحك، فهل تشعر بها؟ ".
قال: فوجمتُ ساعة وتبينت لي خفتها، وظهر لي سَفَاهها وطيشها، فأسرعت إليها فجئتها فأجدها كالقاضي في محكمته، لا عقل له إلا عقل الحكم القانوني الذي لا يتغير، ولا إنسان فيه إلا الإنسان المقيد بمادة كذا إذا حدث كذا، والمادة كذا حين يكون وصف المجرم كذا!
فقلت لها: أهذا هو العلم الذي تعلمتِهِ؟ ألا يكون علم المرأة خليقًا أن يجعل صاحبته ذات عقلين إذا كانت الجاهلة بعقل واحد؟
قالت: العلم؟
قلت: نعم، العلم.
قالت: يا حبيبي، إن هذا العلم هو الذي وضع المسدس في يد المرأة الأوروبية لعاشقها، أو معشوقها! ثم أطرقت قليلًا وتنهدت وقالت: والعلم هو الذي جعل الفتاة هناك تتزوج بإرشاد الرواية التي تقرؤها ولو انقلب الزواج رواية, والعلم هو الذي كشف حجاب الفتاة عن وجهها، ثم عاد فكشف حياء وجهها، وأوجب عليها أن تواجه حقائق الجنس الآخر وتعرفها معرفة علمية, والعلم هو الذي جعل خطأ المرأة الجنسي معفوًّا عنه ما دام في سبيل مواجهة الحقائق لا في سبيل الهرب منها, والعلم هو الذي جعل المرأة مساوية للرجل،