للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"الزوج" لفظًا على رجل كلفظ الحب عليه، فهما سواء عندها في المعنى, ولا يختلفان إلا في "التقاليد".

وعرضت لي كما يعرض المصارع للمصارع؛ إذ كانت من الفتيات المغرورات، اللواتي يحسبن أن في قوتهن العلمية تيارًا زاخرًا لنهرنا الاجتماعي الراكد؛ فتاة تخرجت في مدرسة أو كلية، أو جاءت من أوروبا بالعالمية, أفتدري أية معجزة مصرية في هذا تباهي بها مصر؟

إن المعجزة أن هذه الفتاة صارت مدرسة، أو مفتشة، أو ناظرة في وزارة المعارف؛ أو مؤلفة كتب وروايات، أو محررة في صحيفة من الصحف. ولا يصغُرَنَّ عندك شأن هذه المعجزة، فهي -والله- معجزة ما دام يتحقق بها خروج الفتاة من حكم الطبيعة عليها، وبقاؤها في الاجتماع المصري امرأة بلا تأنيث، أو انقلابها فيه رجلًا بلا تذكير!

وكيف لا يكون من المعجزات أن تأليف رواية قد أغنى عن تأليف أسرة؛ وأن فتاة تعيش وتموت وما ولدت للأمة إلا مقالات؟

فقلت: يا صاحبي، دع هؤلاء وخذ الآن في حديث الطائشة الخارجة على التقاليد، وقد قلت: إنها عرضت لك كما يعرضا لمصارع للمصارع.

قال: عرضت لي تريد أن تصرِّفني كيف شاءت، فنبوت في يدها؛ فزادت إلى رغبتها إصرارها على هذه الرغبة، فالتويتُ عليها؛ فزادت إليهما خشية اليأس والخيبة، فتعسرت معها؛ فزادت إلى هذه كلها ثورة كبريائها, فلم أتسهل؛ فانتهت من كل ذلك بعد الرغبة الخيالية التي هي أول العبث والدلال، إلى الرغبة الحقيقية التي هي أول الحب والهوى؛ رغبة تعذيبي بها لأنها متعذبة بي.

ثم ردَّتها الطبيعة صاغرة إلى حقائقها السلبية، فإذا الكبرياء فيها إنما كانت خضوعًا يتراءى بالعصيان وإذا الرغبة في تعذيب الرجل إنما كانت التماسًا لأن تنعم به، وإذا الإصرار على إخضاع الرجل وإذلاله إنما كان إصرارًا على تجرئته ودفعه أن يستبد ويملك؛ وردتها الطبيعة إلى هذه الحقيقة النسوية الصريحة التي بُنيت المرأة عليها, شاءت أم أبت، وهي أن تعاني وتصبر على ما تعاني!

أما أنا فأحببتها حبا عقليا، وكان هذا يشتد عليها؛ لأنه إشفاق لا حب؛ وكانت إذا سألتني عن أمر ترتاب فيه، قالت: أجبني بلسان الصدق لا بلسان الشفقة. وكانت تقول: إن في عينيها بكاء لا تستطيع أن تزيله مع الدمع, وسيقتلها هذا البكاء الذي لا يبكى، وقد اتخذت لها في دارها خلوة سمتها: "محراب

<<  <  ج: ص:  >  >>