للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطائشة ٢:

وهذا محصل رواية "الطائشة"، نقلناه من خط الكاتب على مساق ما دوّنه في أوراقه، وعلى سرده الذي قص به الخبر؛ وقد أعطانا من البرهان ما نطمئن إليه أن هذه "الطائشة" هي من تأليف الحياة لا من تأليفه، وأنه لم يخترع منها حادثة، ولم يأتفك حديثًا، ولم يزدها بفضيلة، ولم يتنقصها بمعرة؛ ثم أشهد على قوله كتب صاحبته الأدبية المستهترة التي لا تبالي ما قالت ولا ما قيل فيها؛ وهذه الكتب رسائل: منها الموجز ومنها المستفيض، وهي بجملتها تنزل من الرواية منزلة الشروح المفننة، وتنزل الرواية منها منزلة اللُّمَع المقتضبة وكل ذلك يشبه بعضه بعضًا، فكل ذلك بعضه شاهد على بعض.

قال كاتب "الطائشة":

كنت رجلًا غَزِلًا ولم أكن فاسقًا، ولست كهؤلاء الشبان أُصيبوا في إيمانهم بالله فأُصيبوا في إيمانهم بكل فضيلة، وذهبوا يحققون المدينة فحققوا كل شيء إلا المدينة.

ترى أحدهم شريفًا يأنف أن يكون لصًّا وأن يسمى لصًّا، ثم لا يعمل إلا عمل اللص في استلاب العفاف وسرقة الفتيات من تاريخهن الاجتماعي، وتراه نجدًا يستنكف أن يكون في أوصاف قاطع الطريق، ثم يأبى إلا أن يقطع الطريق في حياة العذارى وشرف النساء.

أكثر أولئك الشبان المتعلمين يعرضون للفتيات المتعلمات بوجوه مصقولة تحتمل شيئين: الحب والصفع. ولكن أكثر هؤلاء المتعلمات يضعن القبلة في مكان الصفعة، إذ كان العلم قد حلل الغريزة التي فيهن فعادت بقايا لا تستمسك؛ وبصّرهن بأشياء تزيد قوة الحياة فيهن خطرًا، وتوحي إليهن وحيها من حيث يشعرن ولا يشعرن؛ وصور في أوهامهن صورًا محت الصور التي كانت في عقائدهن؛ وأخرجهن من السلب الطبيعي الذي حماهن الله به، فلهن العفة والحياء، ولكن ليس لهن ذلك العقل الغريزي الذي يجيء من الحياء والعفة؛ وكثيرات منهن يخشين العار

<<  <  ج: ص:  >  >>