وسمته الاجتماعية ولكن خشية فقهاء الحِيَل الشرعية، قد أرصدوا لكل وجه من التحريم وجهًا من التحليل، فأصبح امتناع الإثم هو ألا تكون إليه حاجة.
والعقل الذي به التفكير يكون أحيانًا غير العقل الذي به العمل؛ ففي بعض الجاهلات يكون عقل الحياء والعفة والشرف والدين, غريزة كغرائز الوحش، هي الفكرة وهي العمل جميعًا، وهي أبدًا الفكرة والعمل جميعًا لا تتغير ولا تتبدل، ولا يقع فيها التنقيح الشعري ولا الفلسفي. وما غريزة الوحش إلا إيمانه بمن خلقه وحشًا؛ وكذلك غريزة الشرف في الأنثى هي عندي حقيقة إيمانها بمن خلقها أنثى.
وشرف المرأة رأس مال للمرأة، ومن ذلك كان له في أوهام العلم اشتراكية بحسبه تنظر فيه نظرها وتزيغ زيغها وتقضي حكمها؛ وأكثر من عرفت من المتعلمين والمتعلمات قد انتهوا بطبيعتهم العلمية إلى الرضى بهذه الاشتراكية، وإلى التسامح في كثير، وإلى وضع الاعتذار فيما لا يُقبل عذرًا، ومن ههنا كان بعض الجاهلات كالحصن المغلق في قمة الجبل الوعر، وكان بعض المتعلمات دون الحصن، ودون القمة، ودون الجبل، حتى تنزل إلى السهل فتراهنَّ ثمة.
لقد غفلت الحكومات عن معنى الدين وحقيقته، فلو عرفت لعرفت أن الإنسانية لا تقوم إلا بالدين والعلم كليهما؛ فإن في الرجل إنسانًا عامًّا ونوعًا خاصًّا مذكرًا، وفي المرأة إنسانًا عامًّا كذلك ونوعًا خاصًّا مؤنثًا. والدين وحده هو الذي يصلح النوع بتحقيق الفضيلة وتقرير الغاية الأخلاقية، وهو الذي يحاجز بين الغريزتين، وهو الذي يضع القوة الروحية في طبيعة المتعلم؛ فإن كانت طبيعة التعليم قوية، كانت الروحية زيادة في القوة؛ وإن كانت ضعيفة كما هي الحال في هذه المدنية، لم تجمع الروحية على المتعلم ضعفين، يبتلي كلاهما الآخر ويزيده.
فلان وفلان تعلقَّّا فتاتين جاهلة ومتعلمة؛ وكلتاهما قد صدت صاحبها وامتنعت منه؛ فأما الجاهلة فيقول "فلانها": إنها كالوحش، وإن صدودها ليس صدودًا حسب، بل هو ثورة من فضيلتها وإيمانها، فيها المعنى الحربي مجاهدًا متحفزًا للقتل.
وأما المتعلمة فيقول "فلانها": إنها ككل امرأة، وإن صدودها ثورة، ولكن من دلالها ترضي به أول ما ترضي وآخر ما ترضي, كبرياء الجمال فيها لا الإيمان ولا الفضيلة. فكأنها إيحاء للطامع أن يزيد طمعًا أو يزيد احتيالًا.