للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفلان هذا يقول لي: إن ضعفاء الإيمان من الشبان المتعلمين -وأكثرهم ضعفاء الإيمان- لو حققتَ أمرهم وبلوت سرائرهم، لتبينت أنهم جميعًا لا يرون قلب الفتاة المتعلمة إلا كالدار الخالية كُتب عليها: "للإيجار"!

يقول كاتب "الطائشة":

أما أنا, فقد صح عندي أن سياسة أكثر المتعلمات هي سياسة فتح العين حَذَرًا من الشبان جميعًا؛ وإغماض العين لواحد.

وهذا الواحد هو البلاء كله على الفتاة، فإنها بطبيعتها تتقيد ولا تنفصل إلا مكرهة، وهو بطبيعته قيده لذته، فيتصل وينفصل؛ غير أنها لا بد لها من هذا الواحد، ففكرها المتعلم يوحي إليها بالحياة لا يجعل في ذلك موضعًا للنكير عندها، والحياة نصف معانيها النفسية في الصديق؛ فالأنوثة بغيره مُظلمة في حياتها، راكدة في طباعها، ثقيلة على نفسها، ما دام "الشعاع" لا يلمسها.

والدين يأبى أن يكون ذلك الصديق إلا الزوج في شروطه وعهوده، كيلا تتقيد المرأة إلا بمن يتقيد بها؛ والعلم لا يأبى أن يكون الصديق هو الحب؛ والفن يوجب أن يكون هو الحب؛ وليس في الحب شروط ولا عهود، إلا وسائل تُختلق لوقتها، وأكثرها من الكذب والنفاق والخديعة؛ ولفظ الحب نفسه لص لغوي خبيث، يسرق المعاني التي ليست له وينفق مما يسرق. وليس من امرأة يخدعها عاشق إلا انكشف لها حبه كما ينكشف اللص حين يُمسَك.

يقول كاتب "الطائشة":

تلك فلسفة لا بد منها في التوطئة للكتابة عن "عزيزتي رغم أنفي". ومن كانت مثلها في أفكارها واستدلالها وحججها وطريقتها, كان خليقا بمن يكتب قصتها أن يجعل القصة من أولها مُسلَّحة.

لقد تكارهت على بعض ما أرادت مني ما دام الحب "رغم أنفي"، وما دامت السياسة أن أداريها وأتبع محبتها؛ غير أني صارحتها بكلمة شمسية تلمع تحت الشمس، أنها الصداقة لا الحب، وأنما هو اللهو البريء لا غيره، وأن ذلك جهد ما أنا قوي عليه وفي به.

قالت: فليكن، ولكن صداقة أعلى قليلًا من الصداقة, ولو من هذا الحب المتكبر الذي لا يصدق كيلا يكذب. إن هذا النوع من الحب يطيش بعقل

<<  <  ج: ص:  >  >>