يكون اثنان واثنان خمسة وعشرين؟ وكيف يكون فرار متعلمة أصيلة مع سائق سيارة هو محاذرة وضع الثقة فيمن لا يكون أهلًا لها؟
لقد أغفل قاسم حساب الزمن في هذا أيضًا، فكثير من المنكرات والآثام قد انحلَّ منها المعنى الديني، وثبت في مكانه معنى اجتماعي مقرر، فأصبحت المتعلمة لا تتخوف من ذلك على نفسها شيئًا، بل هي تقارفه وتستأثر به دون الجاهلة، وتلبس له "السواريه"، وتقدم فيه للرجال المهذبين مرة ذراعها، ومرة خصرها.
أقرأت "شهرزاد"؟ إن فيها سطرًا يجعل كتاب قاسم كله ورقًا أبيض مغسولًا ليس فيه شيء يقرأ:
قالت شهرزاد المتعلمة، المتفلسفة، البيضاء، البضَّة، الرشيقة، الجميلة؛ للعبد الأسود الفظيع الدميم الذي تهواه:"ينبغي أن تكون أسود اللون؛ وضيع الأصل؛ قبيح الصورة؛ وتلك صفاتك الخالدة التي أحبها"١.
فهذا كلام الطبيعة لا كلام التأليف والتلفيق والتزوير على الطبيعة.
قال صاحب الطائشة:
فقلت لها: فإذا كان قاسم لا يرضيكِ، وكان الرجل مصلحًا دخلتْهُ روح القاضي، فخلط رأيًا صالحًا وآخر سيئًا، فلعل "مصطفى كمال" همكِ من رجل في تحرير المرأة تحريرًا مزق الحجاب والـ ... ؟
قالت: إن مصطفى كمال هذا رجل ثائر، يسوق بين يديه الخطأ والصواب بعصًا واحدة، ولا يمكن في طبيعة الثورة إلا هذا، ولا يبرح ثائرًا حتى يتم انسلاخ أمته. وله عقل عسكري كان يمكر به مكر الألمان، حين أكرههم الحلفاء على تحويل مصانع "كروب"، فحولوها تحويلًا يردها بأيسر التغيير إلى صنع المدافع والمهلكات. وليس الرجل مصلحًا البتة، بل هو قائد زهاه النصر الذي اتفق له، فخرج من تلك الحرب الصغيرة وعلى شفتيه كلمة:"أريد" وجعل بعد ذلك إذا غلِط غلطة أرادها منتصرة، فيفرضها قانونًا على المساكين الذين يستطيع أن يفرض عليهم، فيقهرهم عليها ولا يناظرهم فيها، ويأخذهم كيف شاء، ويدعهم كيف أحب؛ وبكلمة واحدة: هو مؤلف الرواية، والقانون نفسه أحد الممثلين.
وحقده على الدين وأهل الدين هو الدليل على أنه ثائر لا مصلح, فإن أخص
١ ص١٠٦ من "شهرزاد" للكاتب الدقيق صديقنا الأستاذ توفيق الحكيم، وقد كتبنا نحن في هذا المعنى وكشفنا عن سره في كتاب "أوراق الورد" ص٥١, ٥٢ وفي غيره من كتبنا.