للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب الطائشة: فأقول لها: إذا كان هذا رأيكِ للنساء، فكيف لا ترين مثل هذا لنفسك؟

فتضعضعت لهذه الكلمة، ولَجْلَجَتْ قليلًا ثم قالت: أنت سلبتَني الرأي لنفسي، ووضعتَني في الحقيقة التي لا تتقيد بقانون الخير والشر.

قلت: فإذا كانت كل امرأة تغلَط لنفسها في الرأي، وتنصَح بالرأي الصائب غيرها، فيوشك ألا يبقى في نساء الأرض فضيلة, ولا يعود في المدرسة كلها عاقل إلا الكتاب.

فتضاحكت وقالت: لهذا يشتد ديننا الإسلامي مع المرأة، فهو يخلق طبائع المقاومة في المرأة، ويخلقها فيما حولها، حتى ليخيل إليها أن السماء عيون تراها، وأن الأرض عقول تُحصي عليها؛ وهل أعجب من أن هذا الدين يقضي قضاءً مبرمًا أن تكون ثياب المرأة أسلوب دفاع لا أسلوب إغراء، وأن يضعها من النفوس موضعًا يكون فيه حديثها بينها وبين نفسها كالحديث في "الراديو" له دوي في الدنيا، فيقيم عليها الحجاب، وغيرة الرجل، وشرف الأصل؛ ويؤاخذها بروح طبيعتها، فيجعل الهفوة منها كأنها جنين يكبر, ولا يزال يكبر حتى يكون عار ماضيها وخزي مستقبلها.

هذه كلها حُجُب مضروبة لا حجاب واحد، هي كلها لخلق طبائع المقاومة، لتيسير المقاومة، ومتى جاء العلم مع هذه لم يكن أبدًا إطلاقًا، ولم يكن أبدًا إلا الحجاب الأخير كالسور حول القلعة؛ ولكن قبح الله المدنية وفنها؛ إنها أطلقت المرأة حرة، ثم حاطتها بما يجعل حريتها هي الحرية في اختيار أثقل قيودها لا غير. أنت محمل بالذهب، وأنت حر ولكن بين اللصوص؛ كأنك في هذا لست حرًّا إلا في اختيار من يجني عليك!

لم تعد المرأة العصرية انتصار الأمومة، ولا انتصار الخُلُق الفاضل، ولا انتصار التعزية في هموم الحياة؛ ولكن انتصار الفن، وانتصار اللهو، وانتصار الخلاعة.

قال صاحب الطائشة: فضحكتُ وقلت: وانتصاري!

"طبق الأصل".

تنبيه:

ليست الطائشة كل النساء ولا كل المتعلمات، ونحن إنما نروي قصة هي في الدنيا؛ ليس فيها كلمة من المريخ ولا من زحل؛ فأما الصالح فيرى ويفهم، ولعله يصون بها نفسه؛ أما الفاسد فيرى ويعتبر ولعله يردّ بها نفسه. ومذهبنا دائمًا وجوب كشف الحقيقة، وإذا أردت أن تأخذ الصواب فخذه عمن أخطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>