وكتب بعد هذا أديب فاضل، كما كتبتْ آنسة فاضلة ينحيان "كذا" هذا المنحى، ويطرقان نفس السبيل "كذا" التي اختطَتْها الآنسة الجريئة في غير حق، الثائرة في نَزَق. ثم قالت بعد ذلك:"قرأت مقال الآنسة الثائرة في حيوية صارخة!!!! فجزعت؛ لأن "قاسم أمين" عندما رفع علم الجهاد من أجل حرية المرأة، و"ولي الدين يكن" عندما جاهر بعده في سبيل السفور، و"هدى شعراوي" عندما رفعت صوتها عاليًا تطالب بحرية المرأة, ما ظنت وما ظن واحد من هذين الرجلين أن ثورة المرأة ستتطور إلى حد أن تقف آنسة مهذبة، تكشف عن رأسها تبكي وتستبكي سواها معها، من أجل الزواج".
وأنا فلستُ أدري -والله- مم تعجب هذه الكاتبة، وإني لأعجب من عجبها، وأراها كالتي تكتب عبثًا وهزلًا وهوينًا، مظهرة الجد والقصد والغضب. أئن أطلق للنساء أن يثرن كما تقول الكاتبة، وجاهد فلان وفلان في هذه الثورة فأخذت مأخذها، فانطلقت لشأنها، فأوغلت في حريتها، فامتد بها أمدها شوطًا بعد شوط, ثم جاء خُلُق من أخلاق المرأة يُسفر سُفوره ويرفع الحجاب عن طبيعته ثائرًا هو أيضًا في غير مداراة ولا حذق ولا كياسة، يريد أن يقتحم طريقه ويسلك سبيله، ثم وقف على رغمه في الطريق منكسرًا مما به من اللفة والوثبة يتوجع، يتنهد، يتلذع بهذه المعاني وهذه الكلمات. أئن وقع ذلك جاءت كاتبة من كاتبات السفور تقول للمرأة: جرى عليك وكنت حرة، وتزعزعت وكنت ثابتة، وأفحشتِ وكنت عفيفة، وتعهرت وكنت طاهرة؟
أفلا تقول لها: سفَرَتْ أخلاقك إذ كنت سافرة بارزة، وضاع حياؤك إذ كنت مخلاة مهملة, وغلوت إذ كنت في المبالغة من البدء؟
أفلا تقول لها: لقد تلطفت فجئت بالمعنى المجازي لكلمة "العري"، ولقد أبدعت فكنت امرأة ظريفة اجتماعية مَخِيلة للشعر والفن، وحققت أن واجب الظريفة الجميلة إعطاء الفن غذاء من.... ومن.... ومن لحمها ... ؟
نعم, إن قاسم أمين "رحمه الله" لم يكن يظن ... ولكن أما كان ينبغي أن يظن أن بعض الصواب في الخطأ لا يجعل الخطأ صوابًا؟ بل هو أحرى أن يلبِّسه على الناس فيشبهه عليهم بالحق وما هو به، ويجعلهم يسكنون إليه ويأمنون جانبه فينتهي بهم يومًا إلى أن ينتسف خطؤه صوابه، ويغطي باطله على حقه, ثم تستطرق إليه عوامل لم تكن فيه من قبل، ولا كانت تجد إليه السبيل وهو خطأ محض،