إذا أنت كشفت جذور الشجرة لتطلقها بزعمك من حجابها، وتخرجها إلى النور والحرية، فإنما أعطيتها النور، ولكن معه الضعف والحرية، ومعها الانتقاض؛ وتكون قد أخرجتها من حجابها ومن طبيعتها معًا؛ فخذها بعد ذلك خشبًا لا ثمرًا، ومنظر شجرة لا شجرة، لقد أعطيتها من علمك لا من حياتها، وجهلت أنها من أطباق الثرى في قانون حياتها، لا في قانون حجابها. أفليست كذلك جذور الشجرة الإنسانية؟
كل ما يتغير يسهل تغييره على من شاء، ولكن النتائج الآتية من التغيير لا تكون إلا حتمًا مقضيًّا كما يقضى، فلن يسهل تبديلها ولا تحويلها ولا ردها أن تقع. وقد أخطأ جماعة السفور، بل أنا أقول: إنهم جاءونا بالجاهلية الثانية، وإنهم طبُّوا للمرأة المسلمة كذلك الطب الذي أساسه الرائحة الزكية في البخور ... ١!
وما هو الحجاب إلا حفظ روحانية المرأة للمرأة، وإغلاء سعرها في الاجتماع, وصونها من التبذل الممقوت؛ لضبطها في حدود كحدود الربح من هذا القانون الصارم، قانون العرض والطلب؛ والارتفاع بها أن تكون سلعة بائرة ينادى عليها في مدارج الطرق والأسواق: العيون الكحيلة، الخدود الوردية، الشفاه الياقوتية، الثغور اللؤلؤية، الأعطاف المرتجة، النهود الـ ... الـ ... أوليس فتياتنا قد انتهين من الكساد بعد نبذ الحجاب إلى هذه الغاية، وأصبحن إن لم ينادين على أنفسهن بمثل هذا فإنهن لا يظهرن في الطرق إلا لتنادي أجسامهن بمثل هذا؟
وهذه التي كتبت اليوم تطلبهم مخادنين إن أخطأتهم أزواجًا، وتفتش عليهم تفتيشًا بين الزوجات والأمهات والأخوات! هل تريد إلا أن تثب درجة أخرى في مخزيات هذا التطور، فتمشي في الطريق مشي الأنثى من البهائم طَمُوحًا مَطْرُوفة، تذهب عيناها هنا وههنا تلتمس من يخطو إليها الخطوة المقابلة؟
ما هو الحجاب الشرعي إلا أن يكون تربية عملية على طريقة استحكام العادة لأسمى طباع المرأة وأخصها الرحمة, هذه الصفة النادرة التي يقوم الاجتماع الإنساني على نزعها والمنازعة فيها ما دامت سنة الحياة نزاع البقاء، فيكون البيت اجتماعًا خاصًّا مسالمًا للفرد تحفظ المرأة به منزلتها، وتؤدي فيه عملها، وتكون مغرسًا للإنسانية وغارسة لصفاتها معًا.