وكشفهن؛ فما يُريني منهن إلا امرأة تُزهَى بثيابها وصنعة جمالها، أو امرأة كالهاربة من فضائلها؛ والبيت إنما يطلب الزوجة الفاضلة الصناع، تَخيط ثوبها بيدها فتباهي بصنعته قبل أن تباهي بلبسه، وتزهى بأثر وجهها في، لا بأثر المساحيق في وجهها. وإن مكابدة العفة، ومصارعة الشيطان، وتوهج القلب بناره الحامية، وإلمام الطَّيْرة الجنونية بالعقل, كل ذلك ومثله معه أهون من مكابدة زوجة فاسدة العلم أو فاسدة الجهل، أُبْتَلَى منها في صديق العمر بعدو العمر.
إن أثر الشارع في المرأة هو سوء الظن بها، فهي تحسب نفسها معلنة فيه أنوثتها, وجمالها، وزينتها؛ ونحن نراها معلنة فيه سوء أدب، وفساد خلق، وانحطاط غريزة. ومن كان فاسقًا أساء الظن بكل الفتيات، ووجد السبيل من واحدة إلى قول يقوله في كل واحدة؛ ومن كان عفيفًا سمع من الفاسق فوجد من ذلك متعلقًا يتعلق به، وقياسًا يقيس عليه؛ والفتنة لا تصيب الذين ظلموا خاصة، بل تعم. آه لو استطعتُ أن أوقظ امرأة من نساء أحلامي!
وقال "ا": لقد كانت معاني المرأة في ذهني صورًا بديعة من الشعر تستخفني إليها العاطفة، ولا يزال منها في قلبي لكل يوم نازية تَنْزُو. وكانت المرأة بذلك حديث أحلامي ونَجِيّ وساوسي، وكنت عفيف البنطلون١؛ ولكن النساء أيقظنني من الحلم، وفَجَعنني فيه بالحقيقة، ووضعن يدي على ما تحت ملمس الحية. ولو حدثتك بجملة أخبارهن، وما مارستُ منهن لتكرهت وتسخطت، ولأيقنت أن كلمة "تحرير المرأة" إنما كانت خطأ مطبعيًّا، وصوابها:"تجرير المرأة". فهؤلاء النساء أو كثرتهن, لم يُذِلن الحجاب إلا لتخرج واحدة مما تجهل إلى ما تريد أن تعرف، وتخرج الأخرى مما تعرف إلى أكثر مما تعرفه، وتخرج بعضهن من إنسانة إلى بهيمة.
لقد عرفتُ فيمن عرفتُ منهن الخفيفة الطيّاشة، والحمقاء المتساقطة، والفاحشة ذات الريبة؛ وكل أولئك كان تحريرهن, أي: تحريرهن, تقليدًا للمرأة الأوروبية؛ تهالكن على رذائلها دون فضائلها، واشتد حرصهن على خيالها الروائي دون حقيقتها العلمية، ومن مصائبنا نحن الشرقيين أننا لا نأخذ الرذائل كما هي، بل نزيد عليها ضَعْفنا فإذا هي رذائل مضاعفة.
كان الحلم الجميل في الحجاب وحده، وهو كان يُسَعِّر أنفاسي ويستطير قلبي، ويُرغمني مع ذلك على الاعتقاد أن ههنا علامة التكرم، ورمز الأدب، وشارة
١ يقول العرب في الكناية عن العفة: وهو عفيف الإزار، وترجمتها في عصرنا ما رأيت.