فسقوط النفس وانحطاطها هو وحده نكبة الزواج في أصلها وفروعها الكثيرة التي منها المغالاة والشطط في المهور, ومنها بحث الشاب عن الزوجة الغنية، وإهمال ذات الدين والأصل الكريم لفقرها، ومنها ابتغاء الزوجة رجلًا ذا جاه أو ثراء، وعزوفها عن الفاضل ذي الكَفَاف أو اليسير على غنى في رجولته وفضائله، كأنما هو زواج الدينار بالسبيكة، والسبيكة بالدينار، وكأن الطبيعة قد ابتُليت هي أيضًا بالسقوط، فأصبحت تعتبر الغنى والفقر، فتجعل في دم أولاد الأغنياء روح الذهب واللؤلؤ والماس، وتلقي في دم أولاد الفقراء روح النحاس والخشب والحجارة, على حين أن الجميع مستيقنون -لا يتدافع اثنان منهم- في أن الطبيعة لا تبالي إلا بوراثة الآداب والطباع.
وأعظم أسباب هذا السقوط في رأيي هو ضعف التربية الدينية في الجنسين، وخاصة الشبان، ظنًّا من الناس أن الدين شأن زائد على الحياة، مع أنه هو لا غيره نظام هذه الحياة وقوامها في كل ما يتصل منها بالنفس. وليست المدنية الصحيحة -كما يحسب المفتونون- هي نوع المعيشة للحياة ومادتها، بل نوع العقيدة بالحياة ومعانيها؛ وإلى هذا ترمي كل مبادئ الإسلام، فإن هذا الدين القوي الإنساني لا يعبأ بزخارف كهذه التي تتلبّس بها المدنية الأوروبية القائمة على الاستمتاع، وفنون اللذات، وانطلاق الحرية بين الجنسين؛ فهذا بعينه هو التحطيم الإنساني الذي ينتهي بتهدم تلك المدنية وخرابها. وإنما يعبأ الإسلام بالعقيدة التي تنظّم الحياة تنظيمًا صحيحًا متساوقًا وافيًا بالمنفعة، قائمًا بالفضيلة, بعيدًا من الخلط والفوضى.
ويقابل ضعف التربية الدينية مظهر آخر هو سبب من أكبر أسباب السقوط، وهو ضعف التربية الاجتماعية في المدرسة، وإلى هذا الضعف يرجع سبب آخر هو تخنث الطباع واسترسالها إلى الدعة والراحة، وفرارها من حمل التبعة "المسئولية" التي هي دائمًا أساس كل شخصية قائمة في موضعها الاجتماعي.
وبذلك الضعف وذلك السقوط وُضعت المرأة البغِيّ العاهرة في الموضع الطبيعي للأم، ونزل الرجل السافل المنحط في المكان الطبيعي للأب، وتحللت قوى الوطن بانحراف عنصريه العظيمين عن طبيعتهما، وجعلت فضيلة الفتيات المسكينات تتأكل من طول ما أهملت، وأخذ سُوس الدم يتركها فضائل نَخِرة.
ولا عاصم ولا دافع إلا قوة القانون وسطوته، ما دامت الفضيلة في حكم الناس وتصريفهم قد تركت مكانها للقوانين، وما دامت قوة النفس قد أخلت موضعها للقوة التنفيذية.