الورق إلى البناء مات الجمع والطرح والضرب والقسمة، ورجع الحساب حينئذٍ وهو حساب عقل المهندس؛ فإما عقل دقيق منتظم، أو عقل مأفون مختلّ.
بيد أن المهندس -على ما ظهر لي- قد خلت حياته من الهندسة, وانتهى فيها من التحريف المضحك -حتى فيما لا يخطئ الصغار فيه- إلى مثل التحريف الذي قالوا: إنه وقع في الآية الكريمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ}[الفاتحة: ٥] فقد رووا أن إمام قرية من القرى في الزمن القديم كان يخطب أهل قريته ويصلي في مسجدها، فنزل به ضيف من العلماء فقال له الخطيب: إن لي مسائل في الدين لم يتوجه لي وجه الحق فيها، ولا أزال متحير الرأي، وكنتُ من زمن أتمنى أن ألقى بها الأئمة، فأريد أن أسألك عنها. قال العالم: سل ما أحببت.
قال الخطيب: أشكل علي في القرآن بعض مواضع، منها في سورة الحمد:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ} أي شيء بعده "تسعين أو سبعين"؟ أشكلت علي هذه فأنا أقرؤها: تسعين؛ أخذًا بالاحتياط!
كذلك مهندسنا فيما أشكل عليه من حسابه للحياة، فهو عزب آخذًا بالاحتياط. قال وهو يحاورني:
كيف تكلفني الزواج وتكرهني عليه، وتعنفني على العزوبة وتعيبني بها؛ وإنما أنت كالذي يقول: دع الممكن وخذ المستحيل؛ إن استحالة الزواج هي التي جعلتني عزبًا، والعزوبة هي التي جعلتني فاسدًا, وفي هذا الجو الفاسد من حياة الشباب، إما أن تكسد الفتاة، وإما أن تتصل بها العدوى. والعزب لا يأبى أن يقال فيه: إنه للنساء طاعون أحمر أو هواء أصفر؛ فهو والله مع ذلك موت أسود وبلاء أزرق.
قلت: لقد هولت علي؛ فما مستحيلك يا هذا، ولم استحال عليك ما أمكن غيرك، وكيف بلغت مصر خمسة عشر مليونًا؟ أمن غير آباء خُلقوا، أو زُرعوا زرعًا في أرض الحكومة؟ اسمع -ويحك- ألا يكون الرجال قد أقبلوا وتراجعتَ، وتجلدوا وتوجعت، أو أقدموا وخنَسْتَ، واسترجلوا وتأنثت؟
قال: ليس شيء من هذا.
قلت: فإن المسألة هي كيف ترى الفكرة، لا الفكرة نفسها، فما حملك على العزوبة وأنت موظف وظيفتك كذا وكذا دينارًا، وأنت مهندس يصدق عليك ما قالوه في الرجل المجدود: لو عمد إلى حجر لانفلق له عن رزق؟!
قال: أليس مستحيلًا ثم مستحيلًا أن يجمع مثلي يده على مائة جنيه يدفعها